الملهاة العامية وهي ملهاة عرضها الإضحاك والإلهاء بتصوير العيوب المضحكة تصويراً يتعدى حدود الأدب والحشمة والذوق والإمكانية. فهي تقوم على الإحالة والبذاءة، كما تقوم الملهاة على السخر والأضاحيك.
والرأي بين الناس مختلف في بقاء هذا النوع في أمة راقية وحكومة منظمة ومسرح مهذب. فالذين يدافعون عن الملهاة العامية يقولون أن الناس يرفهون في صدورهم بشهودها، وأن الأذواق ليست واحدة في تقدير اللهو الرفيع، وأن العكوف على الجد الخالص واللهو الجدي يتعب الذهن ويكد القريحة، وأن الجمهور يجب أن تطلق له الحرية في اختيار ما يلهيه ويسليه.
ونحن لا نكر مطلقاً على الملهاة العامية أنها تلهي الجمهور وتسر الناس، بل نعترف بأن الرومان كانوا يهجرون مسرح (تيرانس) ويحتشدون عن المصارعين والمهرجين، ولا ننكر كذلك أن القليل من الناس هم الذين يدركون معنى الحق والجمال والخير، فيلذهم إدراكهم ويمتعهم فهمه، وأن دهاء الشعب وسواده لا يلهيهم إلا المحال الفاحش والبذيء المقذع، وأن من الأذهان ما يعتريه الكلال من الجد فلا يشحذ إلا بالمزاح الخالي من الذوق والفكر، ولكنك سلطان هذا النوع على الشعب هو مصدر الخطر فيه ومنشأ الضرر منه. فإن من يحبه ويميل إليه يكره غيره ويصد عنه. وانصراف الشعب عما يغذي عقله بالحكمة وذوقه بالجمال ووجدانه بالفضيلة، إلى ما يملأ عينه بالفحش وقلبه بالرجس ولسانه بالبذاء، مؤد إلى الوهن والانحلال والعدم. ذلك إلى أن اللهو الفارغ تستسهله النفس وتفضله. وإذا أسترسل المرء فيه خمدت نفسه بترك الفكر، كما يخمد جسمه بترك العمل. أما قولهم أن الملهاة العامية لا تضر ما دامت تسر، فذلك مثل قولهم: أن نوع الغذاء لا يهمك ما دام يلذك.
أن هذه الملهاة خلقت لرعاع الشعب وغوغائه فلتبق لهم والتحى بينهم، بشرط أن تظل على شكلها العامي الخشن في أدب وحشمة، فتقوم في الأسواق والأعياد والموالد تحت الخيام والمضارب، حتى لا تجذب إليها إلا خشاش الناس ممن تعود أنفه النتن فلا يشمه، ومرن لسانه على الهجر فلا يهمه. أما رفعها يفحشها ورجسها إلى المسارح الراقية وتمويهها