للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

عديدة وإدخال تحسينات جمة قام بها العلماء في عصور مختلفة، ولا يزال القراء يذكرون المقال الشيق الذي نشر في العدد ٦٢ من مجلة الرسالة بقلم الأستاذ محمود مختار في موضوع (التلفزة في عهدها الأول) وقد جاء فيه أن العالم الإنكليزي (جون بيرد) طلع في سنة ١٩٢٦ بجهازه الأول في عالم التلفزة وقد عرضه على المجمع الملكي في لندن ونقل صوراً بأجسام بسيطة موضوعة في غرفة مجاورة، وكانت الصور كثيرة الاهتزاز عديمة الوضوح. وقد شغل هذا الجهاز الأدمغة الكبيرة، فقام غير واحد وأخذ فكرة العالم المذكور وعمل على تحسينها وإنماءها حتى وصل الاختراع إلى ما وصل إليه من الإتقان. ولا يزال العلماء يدخلون عليه في كل يوم تحسيناً، ولا يزالون يفكرون في الوسائل التي تجعله سهل التناول في استطاعة الكثيرين اقتناءه والاستفادة منه.

قد يظن القارئ أن ميزة الأخذ عن الغير والزيادة عليه تتجلى في الفرد دون الأمم. هذا الظن في غير محله، إذ ظهر وثبت أن الحضارات المختلفة تجري أيضاً على هذه النظرية: نظرية الأخذ عن السلف والغير والزيادة على ذلك. فالحضارة الرومانية استعانت بحضارات الأمم التي سبقتها واستفادت منها فوائد عديدة عادت على الرومان بالتقدم، كذلك استعان العرب والمسلمون بغيرهم من الأمم فأخذوا عن اليونان والرومان والهنود والفرس، وبعد أن ادخلوا على ما أخذوه الإصلاح والتغير، زادوا عليه زيادات جعلت الكثيرين من منصفي الغرب يعترفون بعبقرية العقل العربي وبقوته على الإنتاج، وبخدماته الجليّفي رفع مستوى المدنية والإنسانية. وحينما انتبهت أوربا من غفلتها وبدأ فيها عصر النهضة العلمية استعانت بنتاج العقل العربي وإسلامي في ميادين العلوم المختلفة والفنون المتنوعة. فالحضارة الأوربية في صميمها ترتكز على الحضارة العربية والإسلامية وهي لم تستطع أن تتقدم تقدمها العجيب إلا بفضل العرب. قال سارطون أن العرب كانوا أعظم معلمين في العالم في القرون الوسطى. واعترف غير واحد بأن العرب قدموا خدمات جليلة في كثير من فروع المعرفة. وقال ويدمان: إن علماء العرب أخذوا بعض النظريات عن اليونان وطبقوها، وقد بذلوا الجهد في تحسينها وإنمائها حتى سلموها للعصور الحديثة واعترف سيديو بأن العرب أساتذة أوربا في جميع الأشياء. . .

ولنرجع الآن إلى مقالنا فنقول: لقد ظهر في العرب علماء عديدون ابتكروا واكتشفوا

<<  <  ج:
ص:  >  >>