للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

وتعريف الشعب بالمقومات الخلقية والثقافية الحقيقية للشعوب التي تشارك هذه المعمورة هدف لا يتم إلا عن طريق التبادل الثقافي الواسع النطاق؛ بحيث لا يقتصر نفوذه على الخاصة؛ وإنما يشمل المجالس العامة. كذلك شرط أن يأتي عن يد هيئات ليس لها طابع (قومي) ولا توجه مراميها وأهدافها أوساط ذوات مصالح سافرة أو مستترة.

وتطمح مثلاً مؤسسة اليونسكو أن تكون النواة لمثل هذه الهيئات (العالية) التي تستطيع تعريف الناس في مختلف الأمصار بالثقافات والمقومات الخلقية لمختلف الشعوب في نزاهة مقصد وتجرد من (البروبوغاندة) وما إليها من أوجه الاتصال المغرض.

وهنا يتساءل المرء عن اختلاف اللغات وما يخلقه من صعوبات جمة في سبيل التعرف الجدي على ثقافات الشعوب الأخرى. فلقد باءت بفشل ذريع محاولات البعض لجعل (الاسبرانتو) لغة عالمية.

فهناك من أهل الخبرة في شؤون المواصلات الفكرية من يؤكد بأن اللغة ليست هي العائق الجوهري الوحيد.

فهناك مثلاً العادات والسلوك التقليدي والتعبيرات المتباينة التي تعبر بها بعض الشعوب عن انفعالاتها الخاصة، والتي توارثتها جيلاً بعد جيل، وأصبحت ملازمة لها ملازمة الطبيعة التي توفر لها الغذاء والمأوى فطابع الناس مزيج من الوراثة والبيئة.

فالعادة في اليابان أو الصين مثلاً أن يبتسم المرء إذا أصابته ملمة أو أهانه شخص. فالابتسام في مثل هذه الحالة يفسر على أنه إشارة مهذبة من الشخص الذي أصابته الملمة أو لحقت به الإهانة، وهذه الإشارة دليل على أنه لا يرد أن يزعج الناس بمصائبه وانفعالاته الشخصية الخاصة.

فإذا كان ابتسام الصيني أو الياباني يفسر على هذا النحو فإن كثيراً من سوء الظن والالتباس الضار يحدث فيما لو وجد أمريكي أو أوربي نفسه أمام ياباني أو صيني لحقت به مصيبة أو أصابته إهانة فظل يبتسمن فأكبر الظن أن الأمريكي أو الأوربي سيقدر في نفسه بأن الياباني أو الصيني يزدرى به في سخرية قاتلة (في حالة قبوله الإهانة بالابتسام) أو أنه لا يتأثر بالانفعالات الإنسانية المؤلمة (في حالة مواجهته المصائب والملمات باسماً).

فإذا نقلت هذا الوضع إلى أعلى مراحل الاتصال في مجال السياسة الدولية بين أمريكا

<<  <  ج:
ص:  >  >>