قادني الحاجب إلى المكتبة فبهرني أثاثها البديع ومساحتها المتسعة، هنا رفوف صفت الكتب والمجلدات فوقها على كل منها اسم مكتوب بالبرنز، وهناك تماثيل ومرآة، وعلى الأرض بساط أخضر عليه سجاجيد عجمية رائعة النقوش، ولما لم أكن متعوداً هذه المناظر المترفة شعرت بضآلة مركزي وضعة شأني، وداخلني شعور غريب فيه من الحيرة والخجل ما فيه، وأصبحت كالفلاح الساذج الذي يطلب مقابلة الوزير!
فتح الباب ودخل رجل في الثانية والثلاثين أو يقاربها، فما رآني حتى هش لي وابتسم في وجهي. . . أخذت أسرد عبارات التحية المعروفة كأن أقول أنني مسرور بلقائه وأن. . . وأن. . . ولكنه وقفني عند حدي بحديثه الطريف ورحب بي.
وما أن استعدت هدوء نفسي أمام ابتسامته وتواضعه حتى فتح الباب ودخلت الكونتس، هنا اصطكت ركبتاي وانعقد لساني. . . لقد كانت آية من آيات الجمال والرشاقة، وكم حاولت أن أجيبها فلم أستطع ولاحظ الكونت اضطرابي فراح يقدمني إلى زوجته في أسلوب عادي كأنني صديق قديم.
وجلت بنظري في المكتبة حتى استقرت عيناي على الصور ولم أكن من غواة الصور أو نقادها، ولكن صورة واحدة استوقفتني لا لما تمثله من المناظر السويسرية الساحرة ولكن لأن طلقتين اخترقتاها واحدة فوق أخرى!
إلتفت إلى الكونت وقلت (ما أجمل هذه الصورة!) فرد مبتسما (نعم! وهي على جمالها لها عندي مركز خاص. هل تحسن إطلاق الرصاص؟)
فأجبت على سؤاله مسرعاً لأنني وجدت فرصة سانحة للتحدث في موضوع أفهمه (أجل!. وأنا أستطيع إصابة بطاقة على بعد ثلاثين خطوة) وهنا تدخلت الكونتس (حقا!. . وأنت يا عزيزي هل تستطيع إصابة بطاقة على بعد ثلاثين خطوة؟)
فأجاب الرجل:(لا أدري! لقد كنت ماهراً في الرماية أيام شبابي. . وقد مضى علي أربع سنوات لم ألمس فيها بندقية)
قلت (صدقني يا سيدي أنك لا تستطيع إصابة البطاقة على بعد عشرين خطوة وأنا أراهنك على ذلك، لأن الرماية تحتاج إلى مران مستمر. . وأذكر أنني لم أستعمل بندقيتي شهرا كاملا أيام كنت في الجيش لأنها كانت عند مصلح الأسلحة. . أتدري ماذا حدث؟ لقد