للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ومع أن كلاً من المعرفة والحب ضروري؛ إلا أن الحب بمعنى من المعاني أكثر أهمية لأنه يدفع بالأذكياء من الناس إلى البحث عن المعرفة، حتى يعرفوا كيف يفيدون من يحبون، ولكن إذا لم يكونوا بالأذكياء فإنهم سيقنعون بتصديق ما قيل لهم (منذ الصغر) وقد يرتكبون بذلك ضرراً رغماً عن حبهم الصادق للخير. ولعل الطب هو الذي يقدم خير مثال لما أعني؛ فإن الطبيب القدير أنفع للمريض من أعز أصدقائه. والتقدم في المعرفة الطبية يحسن إلى صحة المجموع أكثر من محب دعا الإنسانية، ومع ذلك فإن عنصر (حب الخير) ضروري حتى في حالة الاكتشافات العلمية التي لا يستفيد منها إلا الأغنياء.

والحب نقطة تندرج تحتها ضروب من المشاعر، وقد استعملتها هادفاً إلى ذلك لأني أقصد شمولها كلها. والحب كعاطفة - وهي تلك التي أتكلم عنها لأن الحب يبدو لي أنه أصلي خالص - تتذبذب بين قطبين: في أولهما، السرور المحض في التأمل، وفي ثانيهما حب الخير المحض والسرور لا يتدخل قط إلا حينما يتعلق الأمر بالموضوعات الجامدة، فلا يمكن أن تشعر بحب الخير إزاء منظر طبيعي أو قطعة موسيقية. ومن المحتمل أن يكون هذا النمط من السرور هو مصدر الفن، وهذا أقوى عند الأطفال منه عند البالغين الذين تعودوا أن يتناولوا الموضوعات بروح المنفعة التي تلعب دوراً هاماً في التأثير على مشاعرنا، تجاه الكائنات البشرية: فبعضهم ساحر فتان، وبعضهم على الضد من ذلك، حينما يعتبرون كموضوعات لتأمل الجمال فقط.

والقطب الآخر من الحب هو الخير المحض. فهناك رجال قد وقفوا حياتهم على مساعدة المجذومين، فالحب الذي يشعرون به في مثل هذه الحالة ليس فيه أي عنصر من السرور الجمالي.

والعاطفة الأبوية يصحبها البشر حين يشرق الطفل، ولكنها تبقى قوية حين يغيب هذا العنصر تماماُ. ومن الشاذ أن نسمي عناية الأم بالطفل المريض (عاطفة حب الخير) لأننا نكون تسعة أعشار مدعين في تعودنا استعمال هذه اللفظة لنصف بها عاطفة باهته. ومع ذلك فمن الصعب أن تجد كلمة لتصف بها الرغبة في سعادة شخص آخر. وحقيقة أن رغبة من هذا النوع قد تبلغ أعظم درجة من الشدة في حالة الشعور الأبوي. وفي الحالات الأخرى تكون أقل شدة. وفي الحقيقة يبدو أنه من المحتمل أن كل عاطفة إيثارية هي

<<  <  ج:
ص:  >  >>