رفيق. . أما أختها الكبرى فكانت في مقتبل العمر، وهي آية في الحسن، ببضاضتها ولونها الخمري، وعينيها السوداوين الصغيرتين الحادتين، ووجهها الذي يبسم دائماً كأنه أيام الربيع. . .
وكانت هذه الفتاة الرشيقة التي تسمى خوانا، وكان أهلها يدعونها خوانيتا (تصغير خوانا) - تدليلاً ومحبة - تتكرم أحياناً بمصاحبتنا في رحلاتنا. . عندئذ كنت أحس بسعادة عظيمة تغمر قلبي وجداني، لابد أني كنت أحب خوانيتا حباً جماً إذ ذاك، فقد فقدت يوماً شالها الحريري الصغير الذي كانت تلف به عنقها في إحدى هذه الرحلات، فأخذنا نبحث عنه - نحن الثلاثة - حتى عثرت عليه أنا معلقاً على جذع شجرة، ولكني بدلاً من أن أرده إليها ألفيت نفسي أقبله، ثم وضعته خلسة في جيبي لأحتفظ به. كم كان طيباً عبيق هذا الشال! وكيف لا يكون وقد أحاط بجيد محبوبتي خوانيتا، وتنسم عبيق غدائرها الساحرة؟ وكنت في الليل حينما أرجع إلى مخدعي وتتراءى لي صورة خوانيتا فتطرد عني النوم أضم إلى صدري هذا الشال فيهدئ وجوده أعصابي ويجلب لي النوم والراحة.
أردت مرة أن أقدم إليها هدية مدفوعاً في ذلك بحب الصبا الجنوني، ولكن ما الذي كنت أستطيع أن أقدمه إليها ونفقة جيبي ضئيلة لا تزيد في الشهر على ثلاثين فرنكاً إسبانياً؟ عندئذ قمت بهذه التضحية: أعطيتها مجموعة الفراش التي عانيت المشاق في جمعها!
أما خوانيتا فلم تكن مع الأسف تشاركني هذا الحب. . . كم كنت أحمق حين ظننت أن فتاة كخوانيتا في العشرين من عمرها تبادل صبياً في مثل سني الحب؟ على أن خوانيتا كانت تجد تسلية كبيرة في التظاهر بحبي، فتلعب معي أدواراً مؤلمة. . فمن ذلك أنها كانت تحتفظ بيدي في يدها - أثناء الرحلات - فكنت إذا ما عدت إلى الفندق لا أغسل تلك اليد طول النهار، حتى أحتفظ براحة خوانيتا فيها، كما كنت أشمها وأقبلها خلسة من وقت إلى آخر. . .
وكانت خوانيتا ترسل إلي أحياناً بعض تلك النظرات التي لا يقوى على مواجهتها قديسو إسبانيا جميعاً! وصار أهلها الذين علموا هذه الخدعية منها ينظرون إليّ بعين ملؤها العطف، بل كانوا يضطرونها أحياناً إلى مرافقتي في الغابة مع أختها. . وا أسفاه! لم أعرف الكوميديا التي كانت تلعبها خوانيتا إلا قبل رحيلنا من غرناطة بأيام قليلة! أيها القدر