عن التعليم أنه لابد من بقائه لأداء رسالة حاضرة أو مقبلة، ولفظ تراث مجيد من اللغة والفقه، ولو أنه حفظ يقوم على الترديد أكثر مما يقوم على التجديد حتى يتاح له من يخطو به يوماً.
وثاني الأمرين: هذه الإشاحة المعرضة عن الدراسات الأزهرية هل تنبني دائماً على حسن التقدير أو يداخلها قليل أو كثير من الوراثة لأفكار جاهلة تتبع أكثر مما تتأمل، وتنخدع أكثر مما تصيب، ويغرها الزخرف أكثر مما تبهرها الحقيقة. فالحق أن كثيراً ممن يعرضون عن الدراسات الأزهرية، قد استقر في أذهانهم أن الأزهر إنما يدرس فيه أبناء الفقراء، وان الالتحاق به عبادة أكثر مما هو دراسة، وأن أبناءه لا تنظر إليهم الحكومات بعين الاعتبار والتقدير، وإنما تجاملهم مجاملة، أو تطاولهم مطاولة، أملاً في أن تصل على ظهورهم لغاية، أو تكف بسكونهم شراً وتتقي قلاقل.
وإذن فما عند الناس من أفكار سيئة عن الدراسات الأزهرية لا يمثل الحقيقة، والدراسات الأزهرية جديرة بالإقبال عليها لذاتها. والحكومة والأمة الإسلامية جديرة أن تحميها وأن تحتفظ بها. ولكن كيف السبيل اليوم، وليس لأحد أن يرغم أحداً على اتجاه بعينه في الدراسات؟
قلنا إن الأزهر قام على عنصرين: على القداسة، وعلى الفقر. ونحن لا نحب أن نبقي على العصا الأولى لأنها عصا وهمية سخيفة، ولو أدخلناها في الأساس اليوم، فأجدر أن ينهار البناء كله وأما العصا الأخرى فما زالت باقية برغم مجانية التعليم ووجبة الغداء. ذلك بأن أقواماً - وكثير ما هم - في ضر من العيلة. فإن وجدوا مجانية التعليم ووجبة الظهيرة، فمن لهم بوجبة الصباح ووجبة المساء؟ ومن لهم بمصروف اليد والكساء؟ إذن فليحتضن الأزهر الفقراء من هذا الصنف، وليبق بأقسامه الثلاثة قائماً، وليقلل من هذه المعاهد المنبثة في أنحاء القطر، فلبست الدولة بحاجة إلى كثيرين من المتوسعين في دراسات الأزهر. وأخيراً فليكن الأزهر جامعة داخلية تضمن الطعام والكساء والتربية والتعلم على يزيد داخلوه كل عام على مائة. وليضمن لطلابه ومتخرجيه من الميزات ما تضمن الحكومة لمتخرجي الجامعات الأخرى.
وليستصف هذا الوفر الوفير من الأساتذة والكتاب عاماً في إثر عام، وليبق فيه خلاصة