تبين مما ذكرناه في أسباب الوضع أن الكذب على رسول الله (ص) لم يكن مقصوراً على أعداء الدين وأصحاب الأهواء من المسلمين؛ بل كان يقع كذلك من العباد الصالحين ويجعلون ذلك حسبة في زعمهم ويحسبون أنهم بعملهم هذا يخدمون رسول الله ودينه، فكانوا إذا سألهم سائل، كيف تكذبون على رسول الله؟ قالوا (إننا نكذب له لا عليه! وإن الكذب على من تعمده)!
وقد روى مسلم في صحيحه عن يحيى بن سعيد القطان قال: لم نر الصالحين في شيء أكذب نتهم في الحديث. وفي رواية لم نر أهل الخير في شيء أكذب منهم في الحديث. قال مسلم يعني أنه يجري الكذب على لسانهم ولا يتعمدون الكذب قال النووي: لكونهم لا يعانون صناعة أهل الحديث فيقع الخطأ في رواياتهم ولا يعرفون، ويروون الكذب ولا يعلمون أنه كذب
وروى مسلم عن أبي الزناد: أدركت بالمدينة مائة كلهم مأمون، ما يؤخذ عنهم الحديث. وقال إسماعيل بن إدريس سمعت خالي مالكا يقول، إن هذا العلم دين فانظروا عمن تأخذون دينكم! لقد أدركت سبعين ممن يقول، قال رسول الله عند هذه الأساطين فما أخذت عنهم شيئاً لأنهم لم يكونوا من أهل هذا الشأن.
وقال الحافظ ابن حجر: وقد اغتر قوم من الجهلة فوضعوا أحاديث الترغيب والترهيب وقالوا نحن لم نكذب عليه بل فعلنا ذلك لتأييد شريعة! وما دروا أن تقويله (ص) مالم يقل يقتضي الكذب على الله تعالى لأنه إثبات حكم من الأحكام الشرعية سواء كان في الإيجاب والندب، وكذا مقابلهما وهو الحرام المكروه، ولا يعتد بمن خالف ذلك من الكرامة حيث حوزوا وضع الحديث في الترغيب والترهيب في تثبيت ما ورد في الكتاب والسنة، واحتجوا بأنه (كذب له لا عليه) وهو جهل باللغة العربية.
وقال عبد الله النهاوندي، قلت لغلام خليل من أين لك هذه الأحاديث التي تحدث بها في الرقائق؟ فقال وضعناها لترقق بها قلوب العامة. وقد قال ابن الجوزي عن غلام خليل هذا إنه كان يتنهد ويهجر شهوات الدنيا ويتقوت الباقلاء صرفاً وغلقت أسواق بغداد يوم موته. وكان أحمد بن محمد الفقيه المروزي من صلب أهل زمانه في السنة، وأكثرهم مدافعة عنهأن ويحقر كل من خالفهأن وكان مع ذلك يضع الحديث وبقلبه.