ملائكياً عن المادة وسيطرتها على الفن، والانحدار به إلى مرتبة الوسيلة الرخيصة، والأداء الذلول!
ولقد كانت آخر مسرحية قامت بها هذه الفرقة هي المسرحية التي جعلناها عنواناً لهذا المقال (حورية من المريخ)، وهي تدور في جملتها على فكرة واحدة، تلك هي أن الإنسان كما يضيق بالمتاعب والمصاعب التي يخلقها له من يخالطونه في العيش، فتكدر صفوه، وتشرد أمنه، فإنه يضيق كذلك بالراحة الكبرى والطاعة الدائمة والصفو المقيم!
فالزواج (رفعت) يضيق بزوجته (إحسان) لما تحدثه له من متاعب متصلة، فيهب الله له حورية من المريخ حسناء رائعة الحسن تطيعه طاعة عمياء، وتوافقه في كل ما يرى، وتذهب مع هواه حيثما ذهب، فلا خلاف ولا شجار، ولا عصيان ولاشقاق، ولكنها حياة رتيبة هينة لينة! فيضيق الزوج بهذا الهدوء الشامل، ويشقى بهذا الأمن الكامل، وتعلم الحورية بما يعتل في صدره من غم، وما تسببه هذه الحياة الناعمة له من هم، فتعود أدراجها إلى المريخ بعد أن تعيد ما انقطع بينه وبين زوجه الآدمية من صلة، وتسترجع ما كان انبت بسببها من علاقة!
هذه المسرحية تلفحنا منها ريح أسطورة يونانية شهيرة، هي أسطورة (بجماليون) ذلك المثال البارع الذي صنع تمثالاً رائع الفتنة لامرأة سماها (جالاتيا) ولكنه أغرم بالتمثال وتمنى على الإلهة (فينوس) أن تمنحها الحياة ليتخذها زوجاً له، فاستجابت الإلهة لدعائه ومنحتها الحياة، وما إن دبت فيها الحياة الإنسانية حتى دبت معها غرائز الإنسان! فكان أن خانته وهربت منه! فعاد يتمنى على الإله (أيولون) أن يعيدها إليه ثم يسلبها الحياة ويرجعها كما كانت تمثالاً من العاج، فاستجاب له الإله وأعادها كما كانت فهوى عليها بجماليون فحطمها تحطيماً!
تلك هي الأسطورة القديمة التي نشتم رائحتها قوية في (حورية من المريخ) فإن صح ما نحس به فإن المؤلف يكون قد استطاع الانتفاع بالأسطورة القديمة أكبر انتفاع، ولا لوم عليه في ذلك ولا تثريب. وليت الكثير من أدبائنا يحسبون الانتفاع بهذه الأساطير إذن لأثرى الأديب العربي إثراء كبيراً ويأخذ الأستاذ زكي طليمات في مقدمته التي كتبها للرواية على المؤلف أنه (أجرى الحوار فيها تارة باللهجة العامية وتارة باللغة العربية