منك وكرمأن ثم أورثت الكتاب الذين اصطفيت من عبادك، فمنهم ظالم لنفسه ومنهم مقتصد ومنهم سابق بالخيرات).
ويخلص من ذلك إلى مخاطبة (السادة الملوك) فيرفع إليهم الحديث في أدب المخضع الخاشع (هل أتتكم سادتي أنباء الأسفلين من الرعايا إذ ركبوا بحور الظلم والظلمات في سفائن باسم الشيطان مجراها ومرساها ارتدوا فيها فراعنة، وتمردوا فيها على الربابنة، ثم خرقوا أسفلها وأنتم العالون، ورقعوا في حدود الله وأنتم عليها قائمون. وقد بلغ من أمرهم أن سخروا من الناصحين حتى استيئسوا، وهزئوا بالراشدين حتى أبلسوا! فلم يبق في النجاة من أمل إلا تأخذوا بسلطان الله على أيديهم قبل أن تهلك جميعاً بشؤم معاصيهم).
ولعل في هذه الكلمات القصار التي اقتطفناها ما يوضح مقصد الكتاب وهدفه، فهو يريد النصح إلى من ملكهم الله الأمر وتبصيرهم مواطن الضعف والقوة في الأمة، فإن (صلاح كل من الراعي والرعية يؤثر في الآخر تأثيراً بليغاً، وإن كان صلاح الراعي في رعيته لأبلغ أثراً وأهدى سبيلاً، وليس من العدل والإنصاف في شيء أن نتجاهل قوة الرابطة بين الجانبين كليهما فنذكر اثر واحد دون صاحبه).
ويستطرد المؤلف من ذلك إلى تبيان درجات الأفراد ويتحدث عن المثل الكامل ودرجات الأمم، ويورد بعض الأحاديث في منزلة صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإذا بلغ الحديث درجات الملوك أورد ذلك الدستور الرشيد الذي وضعه الحسن البصري للإمام العادل عمر بن عبد العزيز فسار على سننه مدة حكمه القصير، حتى إذا مات نقضه الأحداث من بني أمية! وإذ يتكلم المؤلف عن درجات الناس عند الملوك لا تخونه شجاعته وإنما يقول في صراحة مؤدية (أعظم الناس عندهم - أي عند الملوك - أسرعهم إلى تحقيق رغباتهم وأشدهم ميلاً إلى هواهم، وأقل الناس كرجة عندهم ومنزلة أشجعهم على نصيحتهم وأخوفهم عليهم من بطش الله وعقابه).
(من أجل ذلك تحامي الناس نصحهم حتى الدعاة إلى الله عز وجل وكانوا بين خائف منهم ويائس، وبالغ كثير من الناس في مدحهم والثناء عليهم ابتغاء المال والدنيا).
وكم كان جميلاً من المؤلف أن يورد شذوراً عن بعض المؤلفات التي وضعت لخدمة الملوك في عهد السلف الصالح من هذه الأمة مثل سراج الملوك للإمام الطرطوشي؛ وسلوك