ولقد كان المؤلف بارعاً في استشهاده بنكبة المنصور لأبي مسلم الخرساني والرشيد للبرامكة على أن بطانة السوء لابد أن يفتضح أمرها على الأيام، وقد قبل لأبي مسلم (لم خرجت الدولة عن بني أمية؟) وقال (لأنهم أبعدوا أولياءهم ثقة بهم، وأدنوا أعداءهم تألفاً لهم، فبم يعد العدو صديقاً بالدنو، وصار الصديق عدواً بالإبعاد).
وجهد الكاتب جهده في بيان في القرآن الكريم فذهب إلى أنها ذكرت ثماني عشرة مرة في الكتاب المنير في أربع عشرة سورة نصفها مكي ونصفها مدني، ومضى في تخريجه إلى درجة تشهد له بالبراعة والاجتهاد.
وأفراد المؤلف فصلا لحقوق الملك استهله برواية الشعبي عن ابن عباس قال (قال لي أبي: أرى هذا الرجل - يعني عمر بن الخطاب - يستفهمك ويقدمك على الأكابر من أصحاب محمد صلى الله علي وسلم وإني موصيك بخلال أربع: لا تفشين له سراً، ولا يجرين عليك كذباً، ولا تطو عنه نصيحة، ولا تغتابن عنده أحداً. قال الشعبي: فقلت لابن عباس كل واحدة خير من ألف قال: إي والله ومن عشرة آلاف!).
ولا نستطيع أن نمضي في الاقتباس إلى نهايته، فحسبنا أن نذكر بالحمد تلك (العقيدة النفسية) التي تخلفت في صديقنا الأستاذ طه محمد الساكت قبل بضعة عشر عاماً، فكان نتاجها هذا الكتاب الأول من نوعه بعد عهد السلف الصالح، وعندنا أنه كتاب وضع للخاصة وإن كان صاحبه نص على ذلك في مقدمته. ففيه من المسائل الفلسفية العميقة ما يحمل القارئ على المطاولة والمجاهدة في سبيل تفهمهاً، وفيه توريات بعيدة المرمى لا يتفتق لها إلا الذهن الخصب الطيع.
فعلى هذا الأساس نتقبل كتاب الأستاذ الساكت ونعتبره كتاب تصوف وفلسفة، ونحمد له هذا الجهد الذي بذل، ونقد له هذه الشجاعة في إبداء بطريقة مؤدبة ملفوفة، فلو أن كاتباً غيره تناول مثل هذه الدقائق لزل به القلم ووقع في نزواته وشطحاته!