في البدء قبل أن تكون شمس أو نجوم أو أي ضوء آخر، وكانت الظلمة تخيم على سكون عميق في كل أنحاء الكون، كانت دقائق المادة الصغيرة مبعثرة ومنتشرة انتشاراً متساوياً على أجزاء الفضاء كله، وكانت البروتونات والإلكترونات تجئ وتذهب هنا وهناك في كون لا نظام فيه ولا قانون يضبطه، وكل شيء كان في ظلام دامس من فوضى الطبيعة وفي حالة غير مستقرة وعلى وشك الانقلاب لأقل حركة تبدو فيه. كان الكون حينئذٍ عديم التوازن، كقلم أوقف على رأسه، أقل اهتزاز بغير وضعه إلى وضع ثابت أكثر اتزاناً أو كآلة تحتاج إلى من يحركها، أو كدولاب على وشك الانزلاق، يحتاج لدافع يدفعه لينطلق بدورانه انطلاقاً، كان بحاجة إلى يد الله تسري فيه تياراً من ذلك الغاز المنتشر، حتى يندفع بأجمعه لأن يخلق نفسه بنفسه، وتكون حاله إلى ما هي عليه الآن.
لا نعرف كيف أو أين ابتدأ التيار، ولكن أسباب ما جرى تشويش في نظام الطبيعة، حينئذٍ جعل ذلك الغاز يتجمع ويتضام ويكون من نفسه كتلاً , كبيرة وصغيرة وفي أماكن مختلفة من الفضاء، والكتل الكبيرة بعظم ما تجمع لها من المادة صار لها قوة جذب كبيرة قدرت بها أن تجمع أكثر من الغاز الذي حولها، وتتغلب بها على سرعة الذرات من أن تهرب. وحجم الكتلة يتوقف على شيئين: ثخانة الغاز وسرعة ذراته. ففي الغاز الخفيف تكون سرعة التيار ومدى توسعه أكثر من سرعته ومداه في الغاز الثقيل ولذلك تكون كمية المادة المتجمعة أكبر. وإذا كانت سريعة فإنها لا تنقاد لكتلة صغيرة لضعف جاذبيتها، كخروج ذرات الهواء عن طاعة القمر لقلة جاذبيته بالنسبة لسرعة الذرات. ففي غاز معلوم الكثافة وسرعة ذراته يكون فقط كتلاً لا ينقص الوزن فيها عن حد معين. وإن كان بعض الكتل صغيراً إلى حدٍ أن يمنعها من ادخار جاذبية كافية تقاوم بها سرعة الذرات الهاربة، فإنها لا تلبث أن تتلاشى وتنتشر في الفضاء كما كانت. والكبيرة بعكس ذلك، فان كبرها يزيد في قوة جاذبيتها التي تزيد في مادتها وحجمها، فكلما كبرت الكتلة كان طبيعياً فيها أن تتجمع وتكبر وتزداد مادة وقوة، وكلما صغرت ساعدت الأحوال على عكس ذلك.
حسب هبل أحد الفلكيين أنه إذا انتشر كل غاز النجوم في
الفضاء انتشاراً متساوياً في جميع جهاته، فإن كثافة ذلك الغاز