للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

ميت لا يتجاوب معه الأحياء.

فإذا لم يستطيع الأدب أو لم يرد أن يشارك في المعركة الحاضرة فله هذا، ولكن على أن يهتف للإنسانية بأشواقها البعيدة وأهدافها الكبرى التي قد تجاوز هذا الجيل، وتتخطاه إلى أفاق أعلى من الصراع في فترة من الفترات.

وأعتقد - من تجاربي الخاصة - أن الجماهير قد أقبلت وما تزال تقبل على نوعين من الإنتاج:

نوع يشاركها، في كفاحها الحاضر، ويستمد منها ويمدها، ويتجاوب مع حاجاتها الموقوتة بهذا الصراع.

ونوع يحدو لها بآمال المستقبل، ويهتف بها إلى مدارج البشرية العليا، ويفتح لها كوى من النور في الظلام.

وإني لأعتقد أن هذا الإقبال دلالة على سلامة وعي هذه الأمة وفطرتها - على قلة القراء فيها وندرتهم - وأنها محقة في إهمال ذلك الركام المكرور التافه الذي تخرجه لها كثرة الكتاب والمؤلفين. وبخاصة أولئك الذين كانوا يوما ما يلقبون بكبار الأدباء!

ولست غافلا عن إقبال الجماهير في جانب الآخر على غثاء القصص والروايات والأفلام والصحافة؛ فلذلك اللون يغذي الجانب الهابط في نفس البشرية. وللإنسانية جانبها؛ وجذبها بخيط الصعود ممكن كجذبها بخيط الهبوط.

وحين لا تجد الأمم من أدبائها الجادين من يلبي حاجة روحها، أو حاجة عصرها، فهي معذورة حين تنكب على المخدرات التي تقدمها تلك القصص والروايات والأفلام!

ونسيت الشعر المسكين، وما رزأتنا به المطبعة في هذه السنوات الأخيرة من ركام يتفاخر أصحابه بضخامة الحجم وكثافة الوزن، ويستعينون بصداقاتهم وبوسائلهم الخفية على الخروج به على الناس في غيره ما خجل ولا حياء!

لقد نظر أحد أصدقائنا إلى ديوان من هذه الدواوين، وقد أكتنز شحما ولحما، وهزل معنى وروحا، ثم قلبه في يديه وقال: قديما كان يقال: حمار شغل. فيها نحن أولاء قد عشنا لنرى: حمار شعر!

وفي هذا الجو تختنق روح الشعر، أو الأنفاس المترددة في جوه الكظيم. ويكره الناس

<<  <  ج:
ص:  >  >>