للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

كرامة الأيمان في ندائه الأبي، (أخرج إليهم يا علي بن أبي طالب فعليك بالوليد، ويا حمزة بن عبد المطلب فعليك بعتبة، ويا حارث بن عبد المطلب فعليك بشيبة)

لحظات من الفتوة العربية في إيمانها وكفرها، إن ملأت النفوس هيبة من جلال الحق وخشوعا لسلطان العقيدة في معسكر المؤمنين، فمن الإنصاف أن نشيد بما تصبه في مسمع الدهر من تخليد لرجولة هؤلاء العصبة المشركين.

ولا يطول ريث الفريقين حتى تخلص لهم عاقبة هذا الصراع: لقد انتصرت السماء لجندها المؤمنين، فما هي إلا لحظات حتى كانت دماء عتبة وأخيه وأبنه الوليد تتدافع من صدورهم وجنوبهم ثارة دفاقة في فجاج الثرى توشك - لو أذن لها بالإفصاح - أن تقول للتاريخ الإنسانية (أنا الثمن الطبيعي للحفاظ على وحدة الجماعة، والفدية المتقبلة للإبقاء على استمساك كلمة الأمة، لا بأس أن يهلك أبناء ربيعة وتحيا كلمة قريش أبية كريمة)

وا أسفاه يا عتبة أنك خرجت من الدنيا كافرا لا يحل الترحم عليك (ما كانَ للنَبيِّ والّذينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا للمُشْرِكينَ ولَو كانُوا أُولي قُربى) ولكن القدر الواضح في خلقك من الرجولة، والضوء الغالب على عملك من تقديس وحدة العشيرة، والمثل الساري في تاريخك من إصغار رأى الفرد في سبيل الجماعة، والأدب المتألق من سبقك - وإن أهدرت مشيئتك - إلى افتداء شرف الأمة. كل ذلك يا عتبة بل بعض ذلك ورب الكعبة مواطن للقدوة تندب إليها أئمة الزمان المحتربين ونتمنى بجدع الأنف لو وجدت لها صدى في نفوس زعماء القرن العشرين، الذين أشقوا بتناكرهم البلاد، وأطعموا شرة خلافاتهم مصاير المحكومين.

ألا فروا رأيكم، يا زعماء مصر، أين تقفون من بطولة هذا الزعيم من كفار بدر، ولا روع عليكم أن تتخذوه قدوة، وإن اتسمتم من دونه بسمة الإيمان، فالحكمة ضالة المؤمن أنى وجدها فهو أحق الناس بها

- قيل: لا يبالي من أي وعاء خرجت.

والفضل فضل وإن اختلفت الأيدي على تناوله، والمثل الرفيع كذلك وإن خفت همم أهل الكفر إلى تداوله، (وَلا يَجرِمَنَّكُم شَنْآن قُوم على ألا تعدلوا، اعدلوا، هو أقرب للتقوى، واتقوا الله)

عبد الحكيم عابدين

<<  <  ج:
ص:  >  >>