ملائمة مما نجد لدى الإمبراطورية الرومانية صاحبة السلطان المطلق. وفي الهند حيث الأحوال السياسية مشابهة تماما لما كان في أرض المعاد في زمن المسيح، نجد غاندي يحث على أخلاق مشابهة جدا لأخلاق المسيح، ويعاقبه من أجلها خلفاء بلاطس المسيحيون، ولكن الوطنيين الهنديين المتطرفين، ليسوا راضين عن الخلاص الفردي، فهم يريدون خلاصا قوميا، وهم في هذا قد أخذوا بنظرة الديمقراطيات الغربية الحرة، وأريد أن أذكر بعض الجوانب التي جعلت هذه النظرة - بسبب المسيحية - إلى الآن خالية من القوة والوعي والكفاية، بل ما زال الاعتقاد في الخلاص الفردي يقيدها.
والحياة السعيدة كما نتصورها تحتاج إلى عدد عظيم من الشروط الاجتماعية التي لا يمكن أن تتحقق بدونها. والحياة السعيدة كما قلنا هي الحياة التي يلهمها الحب وترشدها المعرفة. والمعرفة المتطلبة لا توجد إلا حيث تقف الحكومات وأصحاب الملايين أنفسهم على اكتشافها ونشرها؛ فمثلا انتشار السرطان شئ مخيف، وماذا يجب علينا أن نعمل بازائه؟ في الحالة الراهنة لا يستطيع أحد أن يجيب عن هذا السؤال، لنقص المعرفة. والمعرفة ليس من المحتمل أن تظهر وتكتشف إلا بالبحث الموقوف عليها. ومرة أخرى معرفة العلم والتاريخ والأدب والفن، يجب أن يحصل عليها كل من يرغب فيها، وهذا يقتضي استعداد متعدد النواحي من جانب السلطة العامة، ولا يبلغ إلى ذلك عن طريق التحول الديني. وحينئذ فهاهنا تجارة خارجية بدونها يموت جوعا نصف سكان بريطانيا العظمى. وإذا متنا جوعا، فإن قليلا منا سوف يحيون الحياة السعيدة. ولا داعي لأن نكثر من الأمثلة، ولكن النقطة المهمة هي أنه من بين كل ما يفرق بين الحياة السعيدة والحياة السيئة، هو أن العالم وحده، وأن الإنسان الذي يدعي أنه يعيش مستقلا طفيلي، سواء شعر بذلك أم لم يشعر.
وفكرة الخلاص التي كان المسيحيون الأولون يعللون بها أنفسهم لخضوعهم السياسي تصبح مستحيلة بمجرد أن نتخلى عن التصور الضيق للحياة السعيدة، ففي تصور المسيحية السليمة أن الحياة السعيدة هي حياة الفضيلة والصلاح، والفضيلة في إطاعة إرادة الله، وإرادة الله تتضح لكل إنسان خلال صوت الضمير، وهذا تصور أناس خاضعين لسلطة مطلقة أجنبية مستبدة، والحياة السعيدة تشمل كثيرا، بجانب الفضيلة - الذكاء مثلا - وكثيرا ما يكون الضمير مرشدا مضللا، لأنه يتضمن ذكريات غامضة لمدركات منذ الطفولة،