وتفكك الروابط والصلات، فيتألم أشد الألم بعد ما يحتفل بالعيد الذي خلصه من القيود الثقيلة ليطلق نفسه على سجيتها، ويدعو كأسه ليعانقها فيقول:
رمضان ولى هاتها يا ساقي ... مشتاقة تسعى إلى مشتاق
ما كان أكثره على ألافها ... وأقله في طاعة الخلاق
الله غفار الذنوب جميعها ... إن كان ثم من الذنوب يواق
بالأمس قد كنا سجيني طاعة ... واليوم من العيد بالإطلاق
لا تسقني إلا دهاقا إنني ... أسقي بكأس في الهموم دهاق
فلعل سلطان المدامة مخرجي ... من عالم لم يحو غير نفاق
وطني أسفت عليك في عيد الملا ... وبكيت من وجد ومن إشفاق
لا عيد لي حتى أراك بأمة ... شماء راوية من الأخلاق
ذهب الكرام الجامعون لأمرهم ... وبقيت في خلف يغير خلاق
أيظل بعضهم لبعض خاذلا ... ويقال شعب في الحضارة راق
وإذا أراد الله أشقاء القرى ... جعل الهداة بها دعاة شقاق
الحق أننا ظلمنا الشاعر حين قلنا يطلب كأسه يعانقها، فهو لم يفعل هذا حبا في الكأس، ولكنه يريد أن يتخلص بها من همومه وأشجانه، وحتى لا يرى من فساد في الأخلاق كمن يقول (وادوني بالتي كانت هي الداء).
وأما الشاعر المعاصر (محمود أبو الوفا) فيلتفت إلى المجتمع المصري فيروع ما فيه من فروق ومتناقضات ومن سوء توزيع للثروة، فثراء فاحش بجانبه فقر مدقع، ويرى كيف يأكل الأغنياء حقوق الفقراء؛ فيزفر زفرات حري تخرج كأنها اللهب المحرق يلفح الوجوه فيشويها إذ يقول:
أرأيت مصر اليوم كيف أزينت ... أرأيت وجه العيد في أبنائها
الفقر في أقوامها غطى على ... آمالها وطغى على سرائها
كبراؤها والأغنياء بأرضها ... غفلوا حقوق الله في فقرائها
ويقول من قصيدة أخرى في نفس المناسبة:
عهد الصراحة ما بال الصريح به ... لا يملك النطق إلا بالكتابات