قال الحكيم أبن خلدون في مقدمته عندما تكلم عن التفسير النقلي، وأنه يشمل على الغث والسمين، والمقبول والمردود: والسبب في ذلك أن العرب لم يكونوا أهل كتاب ولا علم، وإنما غلبت عليهم البداوة والأمية، وإذا تشوقوا إلى معرفة شيء مما تتشوق إليه النفوس البشرية في أسباب المكونات وبدء الخليقة وأسرار الوجود، فإنما يسألون عنه أهل الكتاب قبلهم ويستفيدونه منهم، وهم أهل التوراة من اليهود ومن تبع دينهم من النصارى ومعظمهم من حمير الذين أخذوا بدين اليهود، وهؤلاء مثل كعب الأحبار ووهب بن منبه وعبد الله بن سلام وأمثالهم، فامتلأت التفاسير من المنقولات عندهم. . وتساهل المفسرون في مثل ذلك وملئوا كتب التفسير بهذه المنقولات. وأصلها كما قلنا عن أهل التوراة.
وقال أبن كثير في تفسيره (لما أسلم كعب في الدولة العمرية جعل يحدث عمر رضى الله عنه فربما استمع له عمر فترخص الناس في استماع ما عنده ونقلوا ما عنده من غث وسمين).
ومن أجل ذلك كله أخذ أولئك الأحبار يبثون في الدين الإسلامي أكاذيب يزعمون مرة أنها في كتابهم، ويدعون أخرى أنها من مكنون علمهم، وما ذلك كله إلا من مفترياتهم. وأنى للصحابة أن يفطنوا لتمييز الصدق والكذب من أقوالهم وهم من ناحية لا يعرفون العبرانية التي هي لغة كتبهم، ومن جهة أخرى فإنهم أقل منهم دهاء وأضعف مكرا، وراجت بذلك هذه الأكاذيب وتلقى الصحابة ومن تبعهم كل ما يبثه هؤلاء الدهاة بغير بحث ولا نقد، معتبرين أنه صحيح لا ريب فيه.
وقبل أن نعرض لبيان هذه الإسرائيليات التي امتلأت بها كتب الحديث والتفسير والتاريخ نأتي بفذلكة صغيرة من تاريخ هؤلاء الأحبار الذين بثوا هذه الإسرائيليات ليكون القارئ على بينة منهم.
كعب الأحبار
هو كعب بن مانع الحميري من آل رعين - وقيل من ذي الكلاع من اليمن، كان من أحبار اليهود وعرف بكعب الأحبار، أسلم في عهد عمر وسكن المدينة في خلافة عمر ثم تحول إلى الشام في زمن عثمان ومات بحمص سنة ٣٢ أو سنة ٣٤هـ.
وقد استصفاه معاوية وجعله من مستشاريه لكثرة علمه كما يقولون وأمره أن يقضي. . وقال