وتجد أسلوب الشعر العامي في الغزل مأخوذا من الحي الشعبي لا يتطفل على الأحياء الراقية، فهذا شاعر يشبه قلبه بالقبقاب، يوما في رجل هذه، ويوما في رجل تلك:
يا قلب كالقبقاب حيره الجما ... ل، فتارة تدنى، وأخرى تزجر
صبحاً برجل فهيمة وعشية ... في رجل سلمى والزمان تجرجر
وهذا آخر يسمى محبوبته بأسماء بلدية مثل ستيتة، وهنومة وكعب الخير فيقول:
ستيتة لا تكن نجواك عذلي ... فإن بمهجتي حللا بتغلي
وبين أضالعي وابور جاز ... وإبرته جفاك لمشمعل
حرام أن أعيش بلا وبور ... وفي جنبي (بريمس) منه أصلي
ثم يذكر الشاعر دلال محبوبته فيزعم أنها لجهلها بالغزل والدل، لا تميل كما يميل البان، ولكن تميل كما تميل الحائط، ولا ترنوا كما يرنو الغزال، ولكن كما يرنوا الأعمى، ولا تتلفت تلفت الظبي، ولكن تجفل إجفال البغل - وأن غزلها أن تصفعه على قفاه بكف كالرحا كما تشد شعره (جزة الخروف) ثم تمضي في تفليته، واستخراج هوامه، فيقول: -
ولو تتبعنا ذلك لعيبنا، ولأعيينا القراء، وفي ذلك لمن شاء بلاغ.
وبعد: فإننا إذا كنا نبكي اليوم لضياع الأزجال الأندلسية الذي فوت علينا معرفة عامية الأندلس، ولو كشفت الآن لكانت أثرا تاريخيا جليلا - إذا كنا نبكي لضياع هذا التراث، فإننا أجدر بالبكاء إذا ما ضيعت هذه الثروة التي لم يعن يجمعها أحد، ولم يسرع لتقعيد قواعدها أحد، إلا شيئاً يسيراً ذكره المرحوم حسين شفيق المصري لا يشفي ظمأ ولم يعن أحد باستخراج ما تحويه من أساليب وكنايات تعد من أبرع وأروع ما تحوي بلاغات الأمم مما يصلح أن يكون رسالة شائقة فريدة، وحسبنا أننا فتحنا الباب لمن شاء أن يسلك أو يدرس.