وقد اطلعت على جزء من هذا الكتاب لدى أحد علماء نجد في الرياض) فرأيت خير تحية أقدمها لحضرات الأساتذة الإجلاء موظفي (القسم الأدبي في دار الكتب المصرية) وصف هذا الجزء - فقط لا يعدمون منه عونا في تصحيح الأجزاء الباقية من كتاب (النجوم الزاهرة)، وقد يجدون فيه مرجعا نافعا في تاريخ مصر - بل البلاد العربية في ذلك العهد.
يؤرخ هذا الجزء - وهو الأول من الكتاب - الزمن الواقع بين سنتي ٧٤٨ و ٨٩٠ - أي ثلاثا وأربعين ومائة سنة - من منتصف القرن الثامن إلى نهاية العقد التاسع من القرن التاسع - فيذكر الحوادث ثم يتبعها بوفيات الأعيان من علماء وملوك وأمراء ومشاهير، وهو يوجز في ذلك أحيانا ويفصل حينا - فسنة حوادثها ووفياتها لا تجاوز ثلاث صفحات، وأخرى تستغرق ورقات.
مثال من إيجازه (سنة تسع وعشرين وثماني مائة في رجب برز العسكر المصري وغيره في الحراقة وقبرس (كذا) حين طرق الخبر أن صاحبها استنصر بملوك الإفرنج على المسلمين، لما جرى على بلاده، ما أشير إليه في التي قبلها. وأنهم أمدوه ليأخذ إسكندرية - زعم - تأسيا بوالده، حين طرقها في المحرم سنة سبع وستين أيام الأشرف شعبان بن حسين بن الناصر محمد بن قلاوون - سبق - فكان التقاء الفريقين في رمضان، فخذل حزب اللعين وأمسك صاحب قبرس فقيد، وقتل من عسكرة في يوم واحد ستة آلاف فيما قيل - منهم أخوه وكذا قيد أبنه وأبن أخي صاحب الكيتلان وأخذت الأفقنسية كرسي المملكة وأقيمت الجمعة بقصره الذي وجد من الأمتعة ما لا يحصى، وأذن على صوامع الكنائس، وعادوا بعد أن قتلوا وحازوا من الغنائم القلعة في يوم الاثنين، ثامن شوال، فكان أمرا مهولا لم يعهد في هذه الأزمان مثله وخرج حتى البكر من خدرها؛ وحضر ذلك أمير مكة ورسل كل من أبن عثمان وملك تونس وأمير التركمان وأبن نعير وكثير من قصاد الشام، قرر عليه من المال بسبب افتدائه ما يفوق الوصف، مما يقوم بنصفه الآن، وبالباقي إذا رجع، سوى ما التزم به في كل سنة من المال، والصوف الملون، وأن يطلق من بقي عندهم من أسرى المسلمين وقال لما دخل إسكندرية ورأى كثرة من بها من الجند: والله إن كل من في بلاد الإفرنج لا يقاوم هؤلاء وحدهم، وفرح المسلمون بنصر الله تعالى، وطار خبر هذه