فقال التاجر غرس الدين: لقد صمت يا مولانا أكثر من أربعين وصمت أنا أكثر من ثلاثين. فهل صنت نفسك؟ أو لا تزال في حاجة إلى تجارب أخرى جديدة. . .
فقال الشيخ: قال الله تعالى (فلا تزكوا أنفسكم هو أعلم بمن اتقى) والصوم عبادة مشروعة وتهذيب للنفوس.
فقال المستوفي زكي الدين: يبدو أن مولانا قد أثرت فيه أنسام هذه الليلة، فانسجم في حديثه. . . أفلا تخبرني أين تصلي الفجر القادم؟ ليكون لي حظ الجماعة من خلفك. .؟ (ضحك).
فقال الشيخ: حتى أنت تورى يا زكي الدين. . .؟
لقد هزأت حتى بدا من هزالها ... كلاهما وحتى سماها كل مفلس
يا معشر القاهربين! أنتم لا تفوتكم النكتة، ولا تفلتكم التورية، ولو كانت على أنفسكم، حتى أصبحتم فيها مضرب الأمثال.
وما دمت يا زكي الدين تريد المزاح، فإن لك متسعا في مسجد الشرابشين. . . (ضحك).
فقال علم الدين: الأقل لنا يا مولانا الشيخ! ما حكم الشرع في الصلاة في هذا المسجد؟
فقال الشيخ: حكم الصلاة؟ مباحة في كافة المساجد، وفي الأماكن الطاهرة، لا حرمة فيها على المصلي، أما الجمعة وخطبتها، فقد أجاز الحنفية تعددها في المدينة الواحدة. وقد أفتى قاضي الحنفية الشيخ عبد البربن الشحنة، لمولانا السلطان الغوري بجوازهما في مسجده هذا، وأذن السلطان بها.
فقال علم الدين: أنا لا أسأل عن حكم الصلاة من هذه الناحية. وإنما قيل إن السلطان بناه بأموال جميعها ظلما وجوراً وعدوانا: فهل تصح صلاة في مسجد لم يؤسس على التقوى؟
الشيخ: أما الجور فوزره على من يجور. وأما الصلاة فليس هناك ما يبطلها في مثل هذا المسجد. فالصلاة صحيحة، وإن لزم المصلى حرمة. .
ثم إن الله تعالى بذات الصدور، وهو يزن الأعمال صالحها وطالحها، ومن جاء بالحسنة فله عشر أمثالها.
علم الدين: أعلمت يا مولانا الشيخ كيف بنى السلطان مسجده هذا؟
الشيخ: لقد تهاوى إلى سمعي منذ أمد ما اجترحه السلطان حين تصدى لبناء هذا المسجد وتشييده وتجميله. ولكني دائما لا أسرع إلى الظن بالناس، فإن بعض الظن إثم. . ثم إني