أكره الغيبة والنميمة، وأعرف ان أهل مصر لا تطاق ألسنتهم. . ويل لامرئ تقع عيونهم منه على مذمة، أو تسمع آذانهم عنه منقصة، فإنهم لا يغفرون له ذنبا، ولا يسترون له عيبا. وقد يبالغون في لومه والحملة عليه بما لا يستحقه. . .
ثم إن هذا المسجد قد افتتحه السلطان ومعه قضاة القضاة. فحضورهم معه في افتتاحه والصلاة فيه فتوى ضمنية للعامة بجواز إقامتها فيه. فأن يكن هناك إثم أو حرمة، فهي لاصقة بهم. . . ولكن كيف جمع السلطان هذه الأموال ظلما وجوراً؟
فقال المستوفي زكي الدين: الحق أن السلطان قد اشتط في فرض الغرامات على المتهمين، وجاوز في ذلك حد العدالة. وأصبحت أقرب عقوبة يؤدبهم بها الغرم المالي. فامتلأت بذلك الخزائن الشريفة. . .
ربما كان له عذر عند أول عهده بالسلطنة، لأنه وجد خزائنها خاوية على عروشها، بعد أن عانت ما عانت إبان عهد الملك العادل وفتنته. . . أما الآن وقد امتلأت بالدنانير، وغصت بالأموال فلا معنى لكل هذه الغرامات والمصادرات. . .
إن مدرسته المنشأة في هذا الحي، قد أنفق على أموال المصادرات ووجوه الظلم. وبعثر على تزيينها ما فرضه من الغرامات الممتلكات وأراضي الأوقاف حتى أوقاف البيمارستان المنصوري قد فرض عليها مالاً.
ولم يقف عند هذا الحد، بل غلا في البناء، وبالغ في الزخرف، وجلب إلى مدرسة الرخام النفيس النادر وقد ابتاعه من مالكيه بأبخس الأثمان. وخرب قاعة شموال اليهودي الصيرفي، ونقل منها رخامها وأبوابها قسراً، وهكذا. . . حتى سماها بعض الظرفاء:(المسجد الحرام)! (ضحك).
فقال الشاعر: وقال فيها أيضا بعض الشعراء:
بني الأشرف الغوري للناس جامعا ... فضاع ثواب الله فيه لمطالبه
كمثل حمام جمعت في شباكها ... متى تلقى عنها طار كل لصاحبه
فقال المستوفي: أجل! ثم إنه بافتتاحها، وأقام الولائم الحافلة للأمراء، والقضاة وأعيان الدولة، فأمر الناس فأقاموا علي دورهم وحوانيتهم معالم الزينة، وعلقوا القناديل الموقودة.
وقد عقد بهذه المدرسة تلك القبة العظيمة التي غلفها بالقاشاني الأزرق، وخلع على عدد