إن هذه (البلاغة) كانت قواعد للنقد الأدبي. وقد وضعت في عصور انحطاط الذوق الأدبي، وعصور انحطاط النقد الفني، فهي قواعد كاذبة وخاطئة وبدائية، لا تؤدى إلا في المجال التاريخي للمحاولات الأولية للنقد في الأدب العربي، وموعد هذه الدراسة التاريخية ليس هو المدرسة الثانوية، إنما هو دراسات التخصص الجامعية
وأما تاريخ الأدب فشأنه هو الآخر عجيب. ومقرراته في المدرسة الثانوية تشهد بما لا شهادة بعده على جهالة وزارة المعارف بكل شيء عن طاقة الطلاب، وعن طاقة الزمن، وعن مهمة المدرسة. . وإلا فما غناء أن يدرس طالب المدرسة الثانوية تلك الحقبة الطويلة من الزمن من الجاهلية إلى العصر الحديث، وتلك السلسلة الطويلة الحلقات من الأدباء والشعراء في هذا المدى الواسع، وهو لم يدرس إلا القليل التافه من النصوص الأدبية التي أنتجتها تلك العصور، وأخرجها ذلك الحشد من الكتاب والشعراء!!
إن جسم الأدب هو النصوص، لا تاريخ الأدب ولا دروس البلاغة! دسم الأدب الحي الذي يمكن أن يربي حاسة التذوق الفني هو تلك القصائد والمقطوعات والقطع الأدبية، والأقصوصة والرواية والبحث. . إلى آخر الفنون الأدبية المختلفة. . وهذا ما يجب أن ينفق فيه الطلاب ذلك الوقت وذلك الجهد اللذين ينفقان في دروس البلاغة وفي دروس تاريخ الأدب المملة
وإنه لخير للطالب الثانوي أن يقرأ في كل علم كتابين: يحتوي أحدهما مختارات منوعة من جيد النصوص الأدبية الحية، يشرف على اختيارها أدباء في ذوقهم حياة، وفي حسهم تفتح، وهم غير موظفي وزارة المعارف بكل تأكيد!. . . وأما الثاني فيتناول موضوعا قائما بذاته، قصة أو بحثا أدبيا أو اجتماعيا. .
خير للطلاب أن يدرسوا كتابين على هذا النحو في العام، يجدون فيهما غذاء فكريا وغذاء روحيا، ويحسون أن للقراءة المتصلة قيمة في فهمهم للحياة وإدراكهم للأشياء. . . من تمضية الوقت في إجراء تلك الاستعارات الفارغة الهازلة، وفي المرور سراعا على خط سير الأدب الطويل، وترديد الألفاظ والعبارات كالببغاوات
وبهذا وحده يمكن أن نعقد صلة مبكرة بين الكتاب والطلاب. فلا يعود الكتاب في نظرهم