للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

وأسرته وكل قواه وممتلكاته موضع الفداء لتعاليم دينه. وأوجب الإسلام على المسلم أن يكون الله ورسوله والجهاد في سبيله أحب إليه من نفسه وأسرته وأمواله. والمهم في ذلك هو أن الإسلام لم يلزم المسلم بكل هذه الفروض إلا ليقينه اقتدار المسلم يومئذ عليها، وقد كان ذلك. وأحيانا كان يضطر المسلم إسلامه يومئذ إلى تمزيق كثير من الروابط العزيزة التي تربطه بأسرته أو إخوانه أو قبيلته أو عرضه، وهي تنزل من بنية نفسه منزلة أعضائه من جسمه، فتمزيقها تمزيق لبنية نفسه كأنه نوع من الانتحار، وكان مع ذلك يقدم على تمزيقها وفي نفسه من الألم لذلك ما لا طاقة للحم والدم بهز وكل ذلك في سبيل واجب أعظم، هو تحقيق عقيدته وبسط سلطانها على كل سلطان. فابن من أبر الأبناء بالآباء يستل سيفه لقتال أبيه، وقتله نفسه أهون عليه من ذلك، ولكنه يخرج لقتاله حتى يعفيه غيره من هذا الموقف الرهيب الذي يسحق التفكير فيه العقل سحقا. وابن يهم باستلال سيفه لقتل أبيه وهو يحب أباه أشد الحب لأنه يحس أن النبي قد ضاق بكيده ونفاقه، فيتطوع هو بقتل أبيه إرضاء للنبي وغيرة على أبيه من أن يقتله مسلم غيره فيقتل قاتله المسلم به، ولكن النبي يعفيه من أداء هذه المهمة التي ينوء بحملها قلب بشري. ومسلم يخرج عن ماله الكثير الذي لم يجمعه إلا درهما درهما بشق النفس في عدة سنين. ومسلمون رضوا بضروب من شظف العيش يضيق بها المتسولون وفي أيديهم من السلطان والأموال ما لم يجتمع لكثير من القياصرة والأكاسرة والفراعنة حتى يوم كانوا يعبدون

وجرى على هذه السنة عشرات الألوف من معتنقي العقائد الدينية والمذهبية والوطنية في أوائل ظهورها

ومع ذلك نجد أن هذا الإسلام القوي الذي صنع الأعاجيب الخارقة في أولئك العرب على عهد محمد (ص) - قد عجز في ملايين الحالات اليوم وقبل اليوم عن الوقوف أمام أضعف الشهوات الطارئة، واكتفى الملايين في تحقيقه بالاسم يسمون به وبركعات وسجدات وتمتمات، وجوع ساعات، وإرسال لحي وإعفاء شوارب، مع استنباط الحيل واستنفادها للزيغ من تكاليفه، بل بلغ من ضعف سلطان هذا الدين في ملايين النفوس أن اتخذ ستارا لارتكاب ملايين الجرائم التي تتورع عن ارتكابها السباع الضارية، واتخذ في ملايين الحالات مخدرا بتجرعه الشرير ليسكت ضميره الفطري الضعيف عن تأنيبه على جرائمه،

<<  <  ج:
ص:  >  >>