شهدوا، وغبنا عنهمو فتحكموا ... فينا، وليس كغائب من يشهد
إذ ينبئ عن الظلم الفادح الذي لحق الشاعر بابتعاده عن مقارعة الوشاة، وقد ذيل البيت بحكمة صادقة تضمن له البقاء
أما عاصم فقد نهج نهجه في الزلفى، وراح يتحدث لسيده معتذرا معاتبا، ويحوم إلى أفكار صاحبه إذ يقول عن وليه
فذبت حشاشة مهجتي بنوافل ... من سيبه وصنائع لا تجحد
عشرون حولا عشت تحت جناحه ... عيش الملوك وحاجتي تتزيد
فخلا العدو بموضعي في قلبه ... فحشاه جمرا ناره تتوقد
فاغفر لعبدك ذنبه متطاولا ... فالحقد منك سجية لا تعهد
وهذه أبيات لا تقرن بالأبيات الأولى فهي خالية من القوة والتأثير، وإن رافقتها في بعض المعاني فضلا عن الغرض العام. ولست أستطيب كلمة الحقد في البيت الأخير، فهي أبعد ما يكون عن المقام، إذ لا يليق أن يوصف بها إنسان يعتذر إليه ويتزلف عنده، هذا إلى القوافي المستكرهة التي ألصقت إلصاقا بالأبيات!
ولن نختم الحديث عن المقطوعتين قبل أن نجمل الموازنة بينهما في أسطر محدودة. فنقرر أن أسلوبهما سلس رقيق، وأن عليا رغم وعورة مسلكه، وتحديه لشعوره وعواطفه، قد هدى عاصما إلى ما نظمه من المعاني، وفتح عليه بما لم يكن يخطر له على بال، كما ارتفع عنه حين سارا معا في الاعتذار والعتاب فجاء بما لم يتطاول إليه عاصم، وإن كنا نأخذ على الشاعرين معا ضيق الأفق، وعصر النفس، وسذاجة التفكير، رغم اتساع المجال، وفي ذلك بلاغ