وما كاد الشيخ عبد المجيد سليم يتولى المشيخة حتى أعلن أزله خططا منهجية يريد الأخذ بها، ولكنه فوجئ بمطالب، ونوهض بمصاعب، ردته عما كان يولي وجهه شطره من إصلاح. ثم أدركه الضعف فدخل مجلس الأزهر عنصر سياسي يتكلم باسم الحكومة، ويقدم طلبات المشايعين لها، ويتعصب لهم ويحمل المجلس على احتظائهم؛ لأن في رفض طلبه إهانة للحكومة واستخفافا بها، والنار والدمار للمجلس وللأزهر كله، إذا لم تسمع كلمة الحكومة، ولم يستجب لندائها
وقرب على هذا الأساس ناس، وبوعد ناس، وعاد شيخ الأزهر بعد مرضته ليلقى باليدين وبالجران لهؤلاء الذين يتكلمون باسم الحكومة، بلا مخالفة ولا اعتراض، لأن في المخالفة الشر كله
ولقد ضخم الوهم من أمر العنصر الطارئ ما ضخم حتى صارت إشارته حكما، والاستجابة له غنما، وحتى أصبح المجلس بوقا ينفخ فيه واحد فتخرج منه أصوات كثيرة عدد أعضاء المجلس الموقر، كلها منسجمة ملتئمة، لا شذوذ فيها - بحمد الله - ولا نشوز
وإذا كنا نستنكر من الشيخ المراغي أن يجيش الأزهر عام ١٩٣٨ لمحاربة الوفد، فإننا نستنكر على هذا العهد أن يطا من رأسه كذلك للرغبات الحزبية أيا كان مصدرها
وإذا كنا نعز الأزهر عن أن يسير في ركاب محمد محمود والنقراشي وعبد الهادي، فإننا نعز الأزهر كذلك عن أن يسير في ركاب مصطفى النحاس
وإذا كان الهتافة في عهد السعديين مسلطين على رقاب الأزهريين، وكان الهتافة في الوفديين مسلطين على رقاب الأزهريين، فإن ذوي الكفاءات جديرون أن يعفوا أنفسهم من الجهد والعمل والجد، وأن يتربصوا بالزعماء في دورهم وفي أفواه الطرق وأعراض السرادقات هاتفين مصفقين، أولا، فليتخذوا غير الأزهر مكانا يحترم العلم، ولا يضعف أمام الحزبية كما فعل الدكتور محمد يوسف موسى
على أن الحكومة ما تفتأ تنادي بتلطيف حدة الحزبية، فيعلن وزير فيها أنه وزير للعلم لا للسياسة، ويصرح آخر بأنه يربأ بنفسه أن يكون عضوا في حكومة لا تحترم الكفاءات. . . فهل سمع الأزهر. . . وهل وعى؟
يجب أن نعالج الأزهر أولا بالاستقرار، ودعم الاستقرار لا يكون إلا بالقضاء على