للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

أن يغير من أمر الأزهر شيئا، ولم يكن الشيخ بطبيعته رجل هذا التغيير. . لقد مات الشيخ مصطفى مغيظا حزينا متأثرا بنداءات خشنة مجانبة للذوق والأدب، صكت سمعه في حرم الأزهر. . لقد قتل الشيخ مصطفى مظلوما. . ظلمه النقراشي باشا إذ ولاه - على رغمه - مشيخة الأزهر!

وما كاد الشيخ مأمون يقتعد كرسي المشيخة، حتى قرب وباعد، وسر وساء، ولكن في مدى معقول غير متطرف، وسار في الأزهر سيرة تعد مزيجا من (الدودشة) والدهاء. والحق أنه عزم ليردن الطلاب إلى الدرس والنظام وليقيمنهم على الطريق، وحاول ذلك جاهدا، وأذن في المفتشين ليرابطن كل مفتش في معهد لا يرميه شهرا، ثم ينتقل إلى آخر ويخلفه مفتش آخر، وكانت سيرة محمودة لو كتب لها النجاح. . ولكن ثقل النظام على الطلاب، وبرم الأساتذة بالدرس المستقر، فتلمسوا الفرص - وما أكثرها - ورجعوا لما اعتادوه من الفوضى والشغب. وحاول الشيخ أن يعالج هذا الاضطراب بضبط الامتحان؛ ولكن الطلاب قد دخل في روعهم - من قبل - أن النجاح حق لهم، وأن الغش حل، بل يدافعون عنه بالهراوي والمدي والغدارات. . . وفعلها الطلاب، ودخلوا بالكتب، وزادوا عن حقهم ما أطاقوا، وكانت حوادث، وظهر من شيوخ المعاهد من يحمي الغش ويدافع عنه ويواطيء الطلاب عليه، وظهر من الأساتذة المراقبين من يدير ظهره ليراقب المشرفين حتى إذا بدا منهم أحد اتجه إلى الطلاب يزجوهم إخفاء ما استعلن. غير أن بعض الشرفين آثر الأمانة في معهد قنا، وصدق المشيخة ما هنالك، فألغت الامتحان، وكانت هذه خطوة جريئة مشكورة

ولكن الشيخ أدركه الهرم، واضطربت أعصابه، وبقي مع ذلك يصرف شؤون الأزهر، ويقوم عليها مصبحا ممسيا، فخرجت الأمور معتلة مختلة، ولم تجن المشيخة ثمار الحزم، وعاد الطلاب إلى الفوضى والاضطراب على أشنع وجه وأبشع صورة

ومما زاد النقمة على الشيخ أنه شايع السياسة، واضطهد الإخوان المسلمين حين كانت السياسة تضطهدهم، وكان جديرا بمشيخة الأزهر أن ترفع يدها فلا تحارب قوما يؤدون رسالة هي لباب رسالة الأزهر ومخهاز وأياما كان فقد أسف الشيخ شر إسفاف بجريه في تيار السياسة التي يجب أن يباعد بين الأزهر وبين رذائلها جهد المباعدة

<<  <  ج:
ص:  >  >>