ومنا سيوف للمنايا تجردت ... على عنق الأعداء بل أسهم القدر
وليس كإبراهيم في موقف الوغا ... هز براً يرى الأعداء حلما إذا اقتدر
همام بهاب الأسد سطوة بأسه ... وترجف منه الراسيات إذا زأر
له همة في الحرب أضحت علية ... وعزم يقد الصلد والصارم الذكر
به ملة الإسلام عزت فأصبحت ... متوجة بالعدل والأمن والظفر
وأذكى صلاة الله ثم سلامه ... على خير مبعوث إلى الخلق من مضر
فلا زلت في عز العزيز الذي غدا ... لأهل العلا شمسا وأنت لهم قمر
مدى الدهر ما (الجندي) أنشد قائلا ... بوق ابتسام الليث في موقف الخطر
فقالت هذه القصيدة حظوة في عين القائد المصري العتيد وقرب صاحبها إليه وجعله في بطانته، ولقد أفسحت هذه الحظوة المجال أمام الجندي الشاعر، وغدا كبيرا في أعين الدمّاشقة بين قومه، وصار يقصده علية القوم وسراتهم لقضاء حاجاتهم عند الباشا الفاتح، وأوقف شعره في هذه المرحلة على مديح الباشا متكسباً على فرار ما كان يفعله أبو الطيب المتنبي مع سيف الدولة. وقد غدا أتبع إليه من ظله، يصحبه معه للدعاية في كل قطر حل به فطمعه هذا العطف الأريحي به، وجعل شعره في هذه الرحلات مقتصراً على مديحه والدعاية له، فوجد الفاتح في هذا الداعية المطبوع على الشعر خير نصير له في إظهار عظمته، فزاد في إكرامه وإعزازه، وصار يصحبه في روحاته وجيئاته، وكان كلما قدم إلى دمشق أو رحل عنها متنقلاً في أفياء دولته المترامية الأطراف، التي أقام دعائمها على الأسلات والشفرات، رأى الجندي في ذلك الفرص السائحة لإسماعه فيه ما يرغب، وما يرهب به الخصوم، ويفت في سواعدهم من الظهور أمامهم بهذه الأماديح الخالدة بظهور الفاتح المرضى عنه التي يعبده شعبه وتفتديه رعاياه وتفديه بأرواحها، ومما قاله فيه بعد وصوله إلى دمشق قادماً من قونية وهو معه سنة ١٢٤٨ هـ وكان قد فتح عكا، ودك حصونها وقلاعها دكا: قال في ذلك