ومن دواعي الاغتباط العميق، والأمل الباسم، أن يبعث الله إلى الظلام الحالك فوق دنيا هؤلاء المعذبين، إقباساً من رحمته تشرق من قلوب طبقة من الشباب المتزن، المؤمن بربه، وعظمة أمته، لا تعيش على هامش الحياة في تلك الأبراج العاجية السخيفة التي يلجأ إليها، عادة، المهزومون من الحياة، والذين لا يصلحون لها، ولا تشعر بوجودهم فيها، وإنما يضطرمون في صميمها، ويجاهدون أحداثها، ويمدون أيديهم لإنقاذ الملايين من نفوس مواطنيهم، التي يدفعها الجوع والمرض والجهل إلى تصديق كل ما تزيفه لها الحضارة الغربية من أوهام وأباطيل؛ ويجولون بين أولئك المواطنين، وبين الجري وراء سراب الشيوعية الخادع، ذلك السراب الذي يتراءى لأعينهم في بيداء ظلم الحياة وعذابها، ماء، وما هو بالماء. . . وإنما هو لعاب الشيطان تعكسه زبانية الجحيم على أجنحتها في الفضاء، تغريرا بالمغفلين
وأصدرت المطابع الغربية كتبا كثيرة، بعد الحرب العالمية الثانية، تحدثت فيها عن قصة الجوع في الشرق الأوسط، وعن الظلم الاجتماعي، وما قد يجر وراءه هذا اللون من الاضطهاد والإرهاق للجماهير، ومن كوارث يخشى منها على هدم هذا المجتمع التعس؛ وحذرت المسؤولين وأنذرتهم باقتراب العاصفة، وأوصيت بالقيام بإصلاح شامل سريع
ومن بين هذه الكتب المتعددة، كتاب الإنجليزية ألفته المس وارنر، وقام بنشره معهد العلاقات الدولية في بلاد الإنجليز تحت عنوان (الفقر والجوع في الشرق الأوسط).
والكتاب دراسة مركزة لمشاكل الفلاحين في مصر وفلسطين وشرق الأردن، ولبنان وسوريا والعراق؛ قالت فيه عن مصر، إن العلاقات التي تربط الإنسان بالحيوان، عن طريق الرحمة الإنسانية، والشفقة المطلقة، لا وجود لها بين مالك الأرض والفلاح هناك، وحذرت من انفجار اجتماعي مفاجئ قد يعصف بالحياة عصفا عنيفا لا رحمة ولا هوادة فيه، وأوصلتها دراساتها إلى وجود مليونين من الجائعين في مصر يجب نقلهم إلى العراق للعمل في الزراعة، بحكم التشابه بين مناخ البلدين، وبحكم الصلاة المتينة من الدم واللغة والدين والجوار بين الشعبين، ولكنها لم تحبذ ذلك العمل الآن، لعلمها أن الفلاح العراقي يئن من