ظلم أشد هولا، وأرجأ ذلك العمل إلى ما بعد الإصلاح الاجتماعي الشامل الذي يجب أن يتم سريعا في العراق. .
ومضت تدافع في كتابها عن سياسة أبناء جنسها في مصر وفلسطين وشرق الأردن والعراق، وعن أصدقائهم الفرنسيين في سوريا، حينما عجزوا عن تقديم أية مساعدة لتلك الطبقات المعذبة في تلك البلدان التي حكموها حكما مباشرا، أو غير مباشر، مدة ثلث قرن من الزمن أو يزيد، فزعمت في معرض دفاعها، أن الطبقات الأرستقراطية التي ورثت النفوذ من الماضي، كانت تحرض، تلك الجماهير عليها، عن طريق الوطنية الرخيصة، الرعناء، غير الواعية، وتدفعها إلى الثورة، فكانت والحالة هذه، مضطرة إلى مهادنة تلك الطبقات، وإطلاق يدها، وإفساح المجال لها تعبث بهذه الجماهير، وتظلمها وتسومها الخسف كما تشاء وتريد، حبا في استتباب الأمن
ونحن لا نريد أن نصدق هذا القول، لا لأنه يعيد الاحتمال، بل لأن التجارب علمتنا أن نكون حذرين في كل ما نسمعه عنا من أقلام الغربيين، ونشك فيه، ونعتبره دفاعا باطلا عن الظلم الذي أصاب هذه الطبقات من أبناء جنسها، وأصدقائهم الفرنسيين ونرى أن الفرص التي تتيح إشاعة العدالة، والإصلاح الاجتماعي لم تكن في استطاعة الطبقات العربية التي أشارت إليها، بحكم سوء التوجيه الخفي، الذي لا تكاد تجهله المس وارنر، وتعرفه الدنيا. .
وشيء آخر يراه القارئ المتأمل في ذلك الكتاب؛ تلك هي الصورة التي رسمتها لشقاء الفلاحين، فلقد كانت مشوشة، غامضة، بعيدة عن الواقع، بعدا كبيرا، إذا ما قارناها بتلك الصورة الرائعة التي وسمها الأستاذ الهلالي لأولئك المعذبين بألوان زاهية من دم قلبه، وعواطفه وحبه العميق
وكلما قارنت هذه الصورة بتلك التي رسمها قلم المس وارنر، وغيرها من كتاب الغريب لحياتنا الاجتماعية، كلما ازددت إيماناً بأن صاحب البيت أدرى بالذي فيه، وكلما بدا لي الضلال المبين الذي نسج في غمرة عقول لا تزال تؤمن بالغرب حتى في الحديث عن أنفسنا، وعاب أحد أصحاب هذه العقول على المؤلف عدم رجوعه إلى المصادر الأجنبية في وصف حياة الفلاحين في العراق فكانت لفتة فير موفقة، وزلة كشفت عمله في أعماق النفس، تستحق السخرية العميقة من المتزنين