للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ولست أدعى أن هذا كل رسالة الأزهر ولا شيء غير ذلك، وإنما هو بلا شك من رسالته. وإننا لنتطلب من رجاله دائما المزيد من هذا الجهد المشكور، حتى يصل صوتهم إلى كل فج من فجاج الدنيا، وكل رجا من أرجاء الوجود، وحينئذ نقول بحق إن الأزهر قد أدى رسالته. .

وإذا كنا نغتفر للعامة والسوقة من الناس بعض التطاول على تراثنا الجليل، ومخلدات مصر الإسلامية، التي ينظر إليها العالم الآن نظره إلى شيء مقدس، له احترامه ومكانته، ومنزلته في النفوس، فإننا لا نغتفر ذلك للمثقفين المتعلمين، الذين نعتبرهم خاصة هذه الآمة الكريمة، وقلبها النابض، وفؤادها الخافق، وعقلها المفكر، ولسانها الناطق باسمها في مل مكان. .!!

إنني لأعجب بالغ العجب لعقلية حديثة تنظر إلى الأزهر الآن نظرة عامية عتيقة. وكأنها لا تسمع له صوتا، ولا ترى له جهدا، ولا تعترف بما فيه من مواد مختلفة، ونظم قد تكون حقيقة في حاجة إلى التعديل والتهذيب والتنسيق، ولكنها ليست في حاجة إلى الهدم المطلق، والنقد بلا معيار أو حدود. . وإذا نوقشت فيما تقول، وروجعت فيما تدعي، يظهر لك بجلاء جهلها المطلق بنظم الأزهر، ومواده المختلفة، وطرق الدراسة فيه. .

إن الأزهر الآن يقوم بالتدريس فيه أساتذة مشهور شأنهم معروف أمرهم، من ذوي الكفايات الممتازة، والدارية الواسعة، قد تخصص كل منهم في المادة التي يدرسها، متفرغ تفرغا تاما لخدمة هذه المادة ما استطاع إلى ذلك سبيلا، وتدريسها على خير ما يرجو المخلصون والمصلحون. . .

ولا ننكر أن هناك بعض العوامل والموانع التي تعوق هؤلاء الأساتذة عن تنفيذ كل ما يرجون من إصلاح، ويرون من حذف أو إضافة في بعض المواد، أو تغيير في طرق التدريس، أو الكتب المقررة، إلى غير ذلك مما يدعو إليه التطور العلمي، ولكن هذا لا يمنع من أهمية ما يدرس الآن، وأن ننظر إلى الأزهر دائما نظرتنا إلى حصن العروبة الحصين، ومعقل الإسلام المنيع، وأن نتناوله بالإصلاح الشامل في رفق وتؤدة وهوادة، ولا نهاجمه في عنف وشدة، لنجعل ذلك طريقا إلى الشهرة، وسبيلا إلى ذيوع الصيت، وطيران الذكر، موحين إلى الناس إيحاء سيئا أن الأزهر ورجاله رمز الرجعية وعنوان الجمود. .

<<  <  ج:
ص:  >  >>