شعلة الخشب يلقي على وجهها ظلالا جميلة وقد جلست على مقعد بجوار المائدة. كانت تنتظرني بكل ما في عينيها من حرارة. كانت الظلال المرتعشة تغطي جوانب الحجرة بالنسبة لذلك الضوء الخافت، ألا أن عينيها كانتا أكثر لمعانا من كل شيء. . . عيناها الواسعتان العميقتان. وكانت على الموائد أطباق بها جوز وبسكويت وإناء مملوء بالخمر المعتقة وكوبان صغيران، بينما جلست هي وقد أولت ظهرها إلى النافذة الصغيرة المغطاة بالثلوج وقد ارتدت فستانا حريريا بأكمام واسعة وحول رقبتها عقد من المرجان وتركت شعرها الناعم يموج على كتفيها بينما يتدلى من أذنيها قرطان من الفضة، وما أن وأتني حتى هبت واقفة وأسرعت تخلع قبعتي المغطاة بالثلج ومعطفي وسترتي ودفعتني إلى المقعد، وفي نشوة حارة، لم أكن أعتقد أنها قادرة عليها، وكنت أظنها من قبل امرأة مترفعة صعبة المنال ألقت بنفسها علي واحتضنتني وهي تمسح وجهي بخديها الناعمتين فقلت (كيف أخفيت كل ذلك حتى الوقت الذي حان فيه فراقنا؟)
فأجابتني في عاطفة دافقة (أه. . . ماذا أفعل؟ لقد استوليت على قلبي منذ مجيئك إلى هنا لأول مرة وكنت أشعر بآلامك، ولكني شريفة ولم يسبق لي أن زللت، أضف إلى ذلك أنه لم تكن هناك أية فرصة تسمح لي تأن أطلعك فيها على مكنون قلبي، فلقد كان هو دائما بيننا، ولم أتمكن حتى من مجرد مبادلتك نظراتك، فهو حاد البصر كأنه النسر، ولو لاحظ شيئا لقتلني للتو)
وعادت تحتضنني وهي تضغط يدي بين ركبتيها، وأحسست بحرارة جسدها على فخذي فكدت أفقد توازني، وإذا بها تقفز فجأة وتنظر إلي في اضطراب وهي تقول:(أتسمع؟ فأرهفت أذني ولكني لم أسمع شيئا سوى زئير العاصفة. ولكنها همست قائلة: (لقد وصل. . .)
وأسرعت تجلس إلى الوائدة وهي تحاول ضبط أنفاسها المتلاحقة، ثم قالت في صوت طبيعي مرتفع وهي تفرغ الإناء بيدها المرتعشة (لتشرب قليلا من خمرنا المعتقة يا سيدي ولتأكل فإنك ترتعش)
ودخل هو في هذه اللحظة وثيابه وقبعته مغطاة بالثلوج، ونظر حوله ثم قال في صوت خفيض (مساء الخير يا سيدي) وخلع ملابسه ثم نفض عنها الثلج وعاد يقول (حسناً) يا له