وفي ذات الوقت رفعت رسوم البريد على تصدير الكتب من أربعة قروش للكيلو إلى أثنى عشر قرشاً. ثلاثة أضعاف كاملة فوق عقبات التصدير.
فما معنى هذا الإجراء وذاك في عالم التصدير؟
معنى تقييد تصدير الكتب إلا بترخيص خاص لكل صفقة.
. . . معناه العملي الصريح الذي يجب أن نكشفه للدولة الغافلة. . . هو إفساح المجال للمساومة والارتزاق بين المصدرين وبين المسؤولين! فهل هذا ما قصدته الدولة تيسيرا على موظفيها المختصين؟!
ومعناه كذلك أن نوعا من الكتب يمكن أن يتعرض للضغط والمطاردة والقتل. . . هو الكتب الإسلامية على وجه خاص. ولا احب هذه الإشارة العارضة أن أزيد!
ومعنى رفع رسوم التصدير هو خلق العقبات في طريق الفكر لأن هذه الرسوم سترفع ثمن الكتاب إلى حد معقول وتمنع الإقبال عليه في البلاد العربية، فيختنق الفكر في مورده ومصدره على السواء. وتتعرض الروابط الفكرية بين الأمة العربية للتفكك والانحلال. . وكل ذلك على مرأى من جامعة الدول العربية ومسمع، كما أسلفت الحديث!
إن الدولة لا تتخذ هذا إجراء مع الصحف، إنما تتخذه مع الكتاب وحده. . فلماذا؟
إن الصحف المصرية - إلا النادر القليل - مؤسسات دولية لا مصرية ولا عربية! مؤسسات تساهم فيها أقلام المخابرات البريطانية والأمريكية والفرنسية، والمصرية والعربية أخيراً! مؤسسات تحرر صفحات كاملة منها بمعرفة أقلام المخابرات هذه لتروج في أوساط الجماهير. مؤسسات تخدم الرأسمالية العالمية أكثر مما تخدم قضايا الشعوب العربية. وتخدم الاستعمار الخارجي والجهات الحاكمة قبل أن تخدم أوطانها وشعوبها الفقيرة.
وهذا هو السر في أن الدولة لا تفرض عليها القيود التي تفرضها على الكتب. لأن وراءها أقلام المخابرات ومصالح الرأسمالية العالمية، وهي كفيلة بأن تسندها، وتذلل لها العقبات وتفسد لها الطريق لنشر دعايتها المستورة في أطراف البلاد العربية جميعا. فإذا كان من بينها صحف قليلة من صحافة الرأي والكفاح الفقيرة التي لا تستند إلى هذه القوى الدولية والمحلية. . فهي تنتفع بتسهيلات التصدير ضمنا وعن غير قصد، لأنه لا يمكن استثناؤها.