الإسلامية السماوية التي أنزلها الله على محمد لتكون للحياة الإنسانية جمعاء، في مشارق الأرض ومغاربها، كالنواميس الطبيعية الثابتة الخالدة، التي لا يأتيه البطل، ولا بلم بها التبديل، صالحة لكل زمان ومكان، ولكل ما خلقه الله على صور الإنسان. وهكذا كانت، فحملت في جوانحها كل ما تزخر به الطبيعة من نور، وجمال، وعطر، وربيع، وثمر، وورود، ورياحين، ولم تستطع الحياة في هذا الزمن الطويل أن تجد فيها عنتا أو ضيقا أو عثرة في المسير، وإنما كانت تصقل الجوانب الخشنة من الحياة نفسها، وتشيع النور الإلهي في ظلامهما كما يفعل القمر في الليل والشمس في النهار.
ويعرض علينا التاريخ في مسيره الطويل، منذ أن رأى رسالة الإسلام الخالدة، سجلا طويلا في غير أتباع الإسلام، ممن أنصفوا الحقيقة من أنفسهم، وأقوامهم، وزمانهم، ونوعا آخر من ذلك الطراز الذي عميت قلوبه، والذي زعم أنه لا يستطيع مذاق الماء العذب، لا لأن الماء العذب مر المذاق، وإنما بحكم تلك النفوس من مرض، وما في تلك الطبائع من اعوجاج، وما في تلك القلوب من غل موروث من البيئات المنحطة الحاقدة، التي فتحوا عيونهم على ما فيها من ظلام دامس حجب عنهم النور - ومع كل ذلك فقد بقي الإسلام هو الإسلام سائراً في الطريق المستقيم الذي لا ينحرف، كما تسير الفصول الأربعة، وكما تشرق الشمس، وتطلع النجوم، دون أن يتأثر بالإنصاف أو التجريح، لأنه أقوى من الحياة ومن الطبيعة نفسها.
لقد أنصف كارليل، وغستاف لوبون، وإمام المؤرخين وسيدهم العظيم إدوارد جبون، وغيرهم من أحرار الفكر في بلاد الغرب، النبي العربي، أنصافا انبعث من طبيعة كان الحق فيها أقوى من البيئة الموروثة التي يعشش فيها الباطل، وتسيطر عليها قوى الظلام. وتجنت على النبي نفسه طائفة اخرى من طراز المبشرين الذين اتخذوا الدين وسيلة للعيش، بعد أن أدبروا عن الحياة التي لا يصلحون لها، ومن طراز آخر يجيد افتراء البهتان على علم، وعلى سوء نية، ولؤم تدبير، وقبح غاية، كصاحب (تاريخ العالم) ولز، ومن طراز هابط حقير، يجيد التقليد، إجادة القرود محاكاة الإنسان، على جهل، كسريفا سترا الهندوسي السفيه، المدرس في جامعة أكرا، الذي تطاول على الرسول الكريم في كتابه المقرر في مدارس الهند، التي ترغم أولاد المسلمين هناك، تعلم ما فيه من المثالب