ما كنت أحسب يا إخواني وقد رجعت بزوجتي الأوربية إلى مصر - أني أحضرت معي من أوربا آلة تصنع أحزاني ومصائبي! ولم يكن وعظني أحد بما أعظكم به الآن، ولا تنبهت بذكائي إلى أن الزوجة الأجنبية تثبت لي غربتي في بلادي! وتثبت على أني غير وطني أو غير تام الوطنية، ثم تكون مني حماقة تثبت للناس أني أحمق فيما اخترت؛ ثم تعود مشكلة دولية في بيتي، يزورها أبناء جنسها ويستزيرونها رغم أنفي وفمي ووجهي كله! ويستطيلون بالحماية، ويستترون بالامتيازات، ويرفعون ستاراً عن فصل، ويرخون ستاراً عن فصل. . وأنا وحدي أشهد الرواية. .!
إن الشيطان في أوربا شيطان عالم مخترع، فقد زين لي من تلك الزوجة ثلاث نساء معاً: زوجة عقلية، وزوجة قلبية، وزوجة نفسية، ثم نفث اللعين في روعي أن المرأة الشرقية ليست فيها إلا واحدة، وهي مع ذلك ليست من هؤلاء الثلاث ولا واحدة. قال الخبيث: لأنها زوجة الجسم وحده، فلا تسمو إلى العقل، ولا تتصل بالقلب، ولا تمتزج بالنفس؛ وأنها بذلك جاهلة، غليظة الحس، خشنة الطبع، لا تكون مع المصري إلا كما تكون الأرض المصرية مع فلاحها.
لعنة الله على ذلك الشيطان الرجيم العالم المخترع! ما علمت من بعد أن هذه الشرقية الجاهلة الخشنة الجافية هي كالمنجم التي تبره في ترابه، وماسه في فحمه، وجوهره في معدنه؛ وأن صعوبتها من صعوبة العفة الممتنعة، وأن خشونتها من خشونة الحب المعتز بنفسه، وأن جفاءها من جفاء الدين المتسامي على المادة؛ وأنها بجموع ذلك كان لها الصبر الذي لا يدخله العجز، وكان لها الوفاء الذي لا تلحقه الشبهة، وكان لها الإيثار الذي لا يفسده الطمع. هي جاهلة، ولها عقل الحياة في دارها؛ وغليظة الحس؛ ولها أرق ما في الزوجة لزوجها وحده؛ وخشنة الطبع، لأنها تتنزه أن تكون ملمساً ناعماً لهذا وذاك وهؤلاء وأولئك. . لا كامرأة الحب الأوربية، التي تجعل نفسها أنثى الفن، وتريد أن تعيش دائماً مع زوجها الشرقي من التفضيل والإيثار والإجلال والإباحة - في كلمة (أنا) قبل كلمة (أنت). . امرأة أنشأتها الحرب العظمى بأخلاق مخربة مدمرة تنفجر بين الوقت والوقت.
عندنا يا إخواني تعدد الزوجات، يتهموننا به من عمىً وجهل وسخافة. انظروا، هل هو إلا