وغير كثير أن يزورك راجل ... فيرجع ملكا للعراقيين واليا
فقد تهب الجيش الذي جاء غازيا ... لسائلك الفرد الذي جاء عافيا
وتحتقر الدنيا احتقار مجرب ... يرى كل ما فيها وحاشاك فانيا
مما جعل كافور يخاف من نواياالمتنبي ويقول كلمته المعروفة (يا قوم إن م ادعى النبوة بعد محمد (ص) ألا يدعى الملك بعد كافور؟ فحسبكم)
وشيء آخر لا نريد أن نمر بالقصيدة دون أن نقف عنده بعض الشيء، وهو خلوها من فخره بنفسه على عادته في مدحه للآخرين. . وغن كان المدح الأمثل يتطلب ذوبان شخصية المادح في شخصية الممدوح، إلا أننا نذكرها هنا وخروجه هذا عن عادته لندل أيضا على ما في هذه القصيدة من مبالغة في الرياء، فقد أراد أن يجعلها خالصة لوجه كافور ولو شئت خالصة لوجه الجيش والعراقيين!
لقد سمعناه يمدح سيف الدولة فما كان ينسى نفسه ولا كان يغادر القصيدة إلا وقد بث فيها كثيرا من فخره بنفسه. . ويحدثناالتاريخ أنه كان محبا لسيف الدولة فكانت عاطفته نحوه صادقة أمينة فلم يجد عندئذ من الغضاضة أن يفخر بنفسه ويمدحها في مدحه لسيف الدولة. . وميزة أخرى فيها عادته وطبعه وهي أنه نثر بعض الحكم في قصيدته كما اعتاد أن يفعل في كثير من قصائده فنراه يقول:
إذا كنت ترض أن تعيش بذلة ... فلا تستعدن الحسام اليمانيا
فما ينفع الأسد الحياء من الطوى ... ولا تتقي حتى تكون ضواريا
كما يقول:
وللنفس أخلاق تدل على الفتى ... أكان سخاء ما أتى أم تساخيا
وخلاصة القول أن قصيدة المتنبي هذه من القصائد الرائعة التي كتبت له الخلود، وغن كان فيها بعض ما، أخذه عليه، فإن ثبات المستوى ليس شرطيا في الشاعرية وقد يجمع البحر الماسة الكريمة البيضاء إلى جانب الفحمة القذرة السوداء.