للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

عيوب:

لئن كنا أعجبنا كثيرا ببعض ضروب المبالغة التي جاءت في قصيدة المتنبي اليائية، إلا أن ذلك لا يمنعنا أن ننكر بعضها الآخر ونستقبحه ونستذريه. ولئن سوغنا له أن يتحدث عن شجاعة كافور وبسالته بالمقدار الذي أراد، إلا أننا لا نسوغ له مطلقا أن يجعل الجنس السامي كله وما يملك من نفس ومال فداء له مبالغة في الثناء وإسرافا في الامتداح:

ومن قول سام لو رآك لنسله ... فدى ابن أخي نسلي ونفسي وماليا

كما أننا نكر أن يقول المتنبي مثل هذا القول:

فتى ما سرينا في ظهور جدودنا ... إلى عصره إلا نرجي التلاقيا

لأننا ما عهدنا المتنبي يقول ذلك وهو الذي قال صغيرا:

أي مكان أرتقي ... أي عظيم اتقي

وكل ما قد خلق الله وما لم يخلق

محتقر في همتي كشعرة في مفرقي

وهو الذي قال كبيرا:

سيعلم الجمع من ضم مجلسنا ... بأنني خير من تسعى به قدم

كما قال:

وكيف لا يحسد امرؤ علم ... له فوق كل هامة قدم

ومما يجعلنا نشتط في إنكارنا هذه المبالغة في هذه الأبيات التي مرت بنا، انه ينشدها في أول زيارة لكافور حين كان هذا يعلم تمام العلم أن المتنبي لم يحبه بعد ولم يعرف عن سجاياه ما يجعله في عينه يستحق مثل هذا الإطراء، الأمر الذي أدخل الشك غلى نفس كافور وعرفه بأن هذه المبالغة إنما هي مبالغة في التملق والرياء لا في المدح والثناء.

ولو اقتصر المتنبي على الإغراق في المدح لهان الأمر. . ولكننا نراه منذ أول قصيدة أنشدها في كافور يلوح به بما في نفسه ويطلب منه الإمارة والولاية فيدرك كافور الغرض من مجيئه ويعرف سر هذه المغالاة في مدحه وتعظيمه.

ولو اقتصر الأمر أيضا على الإغراق في المدح والمطالبة بالولاية لا لتمسنا له بعض العذر - مكابرين - ولكنه أرادها جائزة تليق بعظمته، بدون ستر، أو إخفاء:

<<  <  ج:
ص:  >  >>