التأثير عليه وأملا في تحريك قلبه ووجدانه، وما هي حينئذ آلته إلى ذلك؟
يقول أميل فاكيه في عبقرية شاتوربريان (إن العاطفة والجمال هما قوام الشاعر. . . ولكن يكفي أحد هذين العنصرين إذا كان ممتازا أو قويا، وإن كان اجتماعهما عند شاعر ينتج أروع الآثار)
إذاً فلم يلجأ المتنبي إلى خياله الخصب ما دام أحس برودة عاطفته وجمود إحساسه وله في الخيال كعب عال وسبق وتبرز؟ وما لنا ألا نفتش عن سبب جمال القصيدة في ميدان الخيال بع أن بحثنا في ميدان العاطفة؟
إلا ترى إلى هاتيك الجرد الخفاف كيف صورهن خياله على ابرع شكل وبأرع صورة. . . وكيف وضع أمام ناظريك صورة ذلك القطيع من الجياد: يدب أناء الليل وأطراف الناهر ليبلغ كافوراَ ولو بعد المسير إليه:
وجرداً مددنا بين آذانها القنا ... فبتن خفافا يتبعن العواليا
وتنظر من سود صوادق الدجى ... يرين بعيدات الشخوص كما هيا
وتنصب للجرس الخفي لسوامعا ... يخلن مناجاة الضمير تناديا
بعزم يسير الجسم في السرج راكبا ... به ويسير القلب في الجسم ماشيا
قواصد كافور توارك غيره ... ومن قصد البحر استقل السواقيا
أولا ترى أن الخيال وحده هو الذي ملأك دهشة وإعجابا.
وانظر إلى هذا البيت الذي اعتمد على العاطفة وحدها إلا نحس ببرودته وتشعر بجموده:
أبا المسك ذا الوجه الذي كنت تائقا ... إليه وذا الوجه الذي كنت راجيا
إن الخيال مرة، والمبالغة مرة ثانية، وهذه الموسيقى العذبة تراها شائعة في كل أنحاء القصيدة، وهذا البحر الطويل الملائم الذي اختاره لقصيدته. . وذلك الأسلوب الرصين والديباجة المشرقة التي لا تستطيع أن تذل عليها ببنانك وإنما تشعر بها بجنانك. . هذا كله وشيء من الصناعة الطريفة التي جاءت م غير كد ولا تكلف، ساهم في إعطاء القصيدة درجة ممتازة ومكانة رفيعة بين سائر شعره وقصيده.
على أنه لا يبتغي لنا أن ننظر إلى القصيدة بعين واحدة فحسب هي عين الرضا والارتياح وإنما يجب أن ننظر إليها بالعين الأخرى لترى ما إذا كان عناك بعض ما يؤخذ عليها من