الكتاب والشعراء للقول فيها، وفسح لهذا في المؤيد مكاناً عريضاً. ومن ذا الذي لم يكن موتوراً من المويلحي؟ ومن ذا الذي لم يقدر الوتر منه في مستقبل الأيام؟ وإذا كان الرجل عاجزاً على أن يخرج للمويلحي وحده، فهذه جموع الأدباء والشعراء والعلماء أيضاً قد تداكت لقتاله بكل ما في أيديها من سلاح! ألا فليتقدم لطعن المويلحي من شاء أن يتقدم، فليس على أحد في قتاله اليوم من بأس!
وتثور العاصفة، ويشتد البأس، وتحمر الحدق، وأذّن النفير العام، فوثب القاعد وتحرك الساكن، وانبعث الجاثم وهب النائم. وأهاب القعديون بالمتخلف، واستحمسوا المتخاذل. وشد الجميع على قلب رجل واحد. وهل كان من المستطاع أن يصمد لهذا الجيش اللجب رجل واحد؟. لم يستطع المويلحي أن يثبت في الميدان، فأطفأ (المصباح) وأنسل إلى داره وقد ألقى يد السلام، واحتجب ولكن في انتظار الثأر وري الغلة بالانتقام!.
ولقد تم للمويلحي من هذا بعض ما أراد أو كل ما أراد. فلقد كان ممن أثاروا الثائرة على الشيخ علي يوسف أيام حادث الزوجية المشهور، وفتح له في جريدة (الظاهر) باباً مثل ذلك الباب، واستدرج له أقلام الشعراء والكتاب. وواحدة لواحدةٍ كفاء.
متى رأيت المويلحي، وكيف اتصلت به؟:
بين سنتي ١٩٠٧، ٩٠٨، لا أذكر على التحديد، سألت صديقاً حديث العهد بصداقتي، ولكن وده للمويلحي قديم - سألته وتمنيته أن يجمع بيني وبينه، وما كان أبلغ دهشتي واغتباطي حين قال لي: إن المويلحي قد طالعه أنه يحب أن يراني، ولعله عرف بي من أيام كنت أرسل القول في الشيخ في فتنة الزوجية شعراً ونثراً. (وأسأل الله أن يغفر لي هذا). وتواعدنا أن نذهب إليه في الأصيل.
وكان، رحمه الله، قد اتخذ مسكنه داراً من دور سعيد باشا نصر، تقع في أطراف العباسية يومئذ. وهذه الدار لا يعطي العين ظاهرها أكثر من منظر (حوش) في قرافة الأمام، فإذا جزت مداخلها انفرجت للعين حديقة واسعة قد عبِّدت طرقها تعبيداً، ونضدت أشجارها تنضيداً، وتأنقت يد البستاني في تسويتها وتنميقها، كما تأنقت يد الطبيعة في تشجيرها وتزويقها: فهذا الفل الوضيء الآلق، وهذا الورد المشرق الضاحك، وهذا النرجس تنبعث من عيونه الأسحار، وهذا الياسمين لقد استحال تنفساً في ساع الأسحار.