ولقد أفرد زاوية من زوايا الحديقة للغزلان والطواويس وجماعات الطير من كل غرد صداح.
ويستقبلني، رحمة الله عليه، بالبشر والتأهيل والترحيب، وإذا بي إزاء رجل حنطي اللون، بين الطويل والقصير، والسمين والهزيل؛ مستطيل الوجه، عريض الجبهة، حاد العينين، مستوي الأنف، له فم قريب إلى الفَوَهِ في غير قبح ولا استكراه. إذا تمثل واقفاً لمحت في ساقيه تقوساً خفيفاً لعله دخل عليه من أنه عالج المشي قبل أن تصلب عظامه. وله إذا تحدث صوت لا أقول خشن بل أقول جزل. فإذا أقبل على القراءة زر عينه اليسرى فبان التكرش الشديد ما بين أعلى العارض وأسفل الجبين، وهذا التكرش لا شك كان من أثر السنين، وإن كان يخفيها في المويلحي شدة عنايته بصحته، وتكلفه ألواناً من علاج البدن بمأثور الوصفات، والتزام الحمية في كثير من الأوقات، وأخذ النفس بالراحة التامة ما تستثيره أزمة من الأزمات، ولا يستدرجه مجلس لهو ولا تقنصه داعية لذة من اللذات؛ وبهذا تهيأ له أن يحيا في مثل نظرة الشباب إلى الممات.
وقد تلقّاني في غرفة الاستقبال، وهي غرفة أنيقة حقاً. لقد أثثت بأفخر الأثاث وأغلاه، وأفخر من كل شئ فيها الأناقة في تصفيف الفراش والذوق التام. وقد زُينت أجبُنُها بصور كبيرة له ولأبيه، وللأميرة نازلي فاضل، وللسيد جمال الدين الأفغاني. وبلوحات خطية جميلة جرت بروائع الحكم، وأكثرها من شعر المعري.
وخضنا في أحاديث من أحاديث الأدب، ولونا الكلام تلويناً حتى تجاوزنا نصف الليل، وتفارقنا وكأن حبل المودة بيننا ممدود من عشرين سنة. وتواعدنا اللقاء ما تهيأ لنا. وكذلك استمكن الإلف واستوثقت حبال الود، فما نتفارق على موعد من لقاء قريب. ولقد أعيش معه اليومين والثلاثة نقرأ عامة نهارنا وصدراً من ليلنا كتباً، أو نتذاكر أدباً.
وكان ممن يختلفون إلى داره مغرب الشمس عادة بعض أقطاب العلم وأصحاب الرأي والبيان والبدائة المواتية، وأذكر منهم المرحومين عمه السيد عبد السلام باشا المويلحي (سر تجار مصر)، والسيد محمد توفيق البكري، والشيخ علي يوسف، بعد أن تصافت القلوب مما كان علق بها من الأضغان، والسيد محمد البابلي، ومحمد بك رشاد، وحافظ بك إبراهيم، وعبد الرحيم بك أحمد، وحافظ بك عوض، والسيد عبد الحميد البنان. أحياهما الله أطيب