طمأنينة ووعي عميقين، إنما هو تباشير الفجر الذي سيعقبه إشراق شمس العدالة، فلا يبقى سيد وعبد، وظالم ومظلوم في مواطن العروبة.
وقصة الحاج رويس - التي قصها المؤلف معالي الشيخ علي الشرقي - ذلك المرابي الذي سلف أحد المزارعين مائتي روبية على أساس أن يدفع له الفلاح وزنة من الشعير عن كل روبية وبمرور الزمن أصبح هذا المبلغ ستين ألف روبية دفع الفلاح المسكين نصفها في حياته وبقى ورثته مدينين بنصفها الباقي، إنما هي المثال الصارخ على ظلم الفلاحين واستعبادهم.
يجب أن ترتبط أجزاء الوطن العربي الكبير، بنظام اقتصادي، عميق الجذور، قوي الأركان، يستمد كل جزء من أجزائه، حاجته من أيد عاملة، أو رؤوس أموال، أو خبراء، من الجزء الذي يتوفر فيه ذلك، فتصان الثروة للشعوب العربية. وينبغي أن يسبق ذلك أو يتبعه، تغيير جارف في مناهج التعليم، لتصبح عملية، تواجه مطالب الحياة الحديثة بإعداد جيل قوي من المهندسين، والكيميائيين، والإخصائيين، وعلماء الطبيعة والرياضيين والمخترعين. ولقد آن للشبان في هذا الجيل أن يشيحوا بوجوههم عن دراسة اللغات والآداب والتاريخ، وأن ينصرفوا بشعور وطني عميق إلى التخصص في الرياضيات والطبيعيات والكيمياء والتعدين، والهندسة والزراعة، بكل أنواعها ودقائقها وفروعها، فإننا في حاجة ملحة إليها الآن.
وبعد فإن الأستاذ عبد الرزاق الهلالي، مؤلف هذا الكتاب، يستحق الشكر الجزيل، والتقدير العميق، على هذا الاتجاه الرشيد في معالجة مشاكلنا الاجتماعية، ونحن نرجو أن يكون فاتحة خير للشباب، يخرجهم من عزلتهم، فيظهرون شجاعة أدبية في التوفر على دراسة المشاكل التي يواجهها الجيل الحاضر، تلك المشاكل التي تتعذب في جوها أرواح هي أجزاء من أرواحنا، ونفوس هي نفوسنا، وما أبشع ذنب الذي يقف على طرف الماء فيرى غرقنا ولا يمد يد المساعدة إليه.
وأسلوب المؤلف في الكتاب يغلب عليه تكرار الحقائق، وكأنه يريد أن يبالغ في إظهارها، ولكنه أسلوب متين، سلس، تطل من وراءكلماته حرارة الروح، ووجيب القلب، وأنسام العواطف الرفيقة الرحيمة.