للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ولا أدري لم دعاني وقد مضت سنوات على صداقتنا ولم يدع أحدنا الآخر إلى منزله؟ ولا لماذا خرجت أنا عن مألوف عادتي فلبيت دعوته؟ ذهبت فراعني منزلهم الجميل ورياشه الفاخر وتلك الحديقة الزاهرة التي تحيط به.

ولما استقر بي المقام جاءت شقيقته (ن) وهي إذ ذاك في الثالثة عشرة من سني حياته، وهي طالبة في المدرسة وقدمني إليها قائلا: (أستاذك الذي سيقوم بإعطائك درس اللغة العربية) وأخذت بهذه المفاجأة إذكنت أتحاشى دائما هذا النوع من الدروس مهما كانت سن الفتاة. بيد أن الموقف ألجم لساني وصداقتنا حالت بيني وبين الاعتراض، كل ذلك كان سهلا بجانب نظرتها إلي، نظرة فيها كل أنواع البراءة والدلال، فوجدتني أومن على قوله بغير شعور مني.

ومدت يدها الصغيرة تصافحني وعلى ثغرها ابتسامة جميلة خلت من أنواع المخاتلة والرياء، لأنها بسمة تكسوها براءة الطفولة، إذ كانت إلى هذه السن لا تزال طفلة في كل أعمالها. فإذا قدرت سني حياتها عند رؤيتها ما زادت على عشر سنوات لضمور جسمها ووداعة خلقها وتعثر كلماتها في النطق.

وحددنا موعد الرس، وفي اليوم التالي ذهبت إلى منزل صديقين أو بالأحرى تلميذتي، فوجدتها في حجرتها الخاصة تنتظرني فقضينا بعض الساعة في ترتيب وتنظيم، واتفقنا على الخطة التي تناسبها.

صرت بعد ذلك أذهب إليها في الموعد المحدد. وعلى مر الأيام زال ما بها من تلعثم، وكنت أرى منها غبطة وسرورا كلما رأتني قادما، فقد كانت تنتظرني في نافذة حجرتها المطلة على الحديقة فإذا رأتني هبت تتلقاني بباب حجرتها. وبدأت ألحظ عليها أنها تبذل جهداً كبيراً لتعوقني عن الخروج وتحتال لذلك الحيل، وأكثرها توجيه أسئلة أجدني مضطرا للإجابة عنها لأني كنت أخشى أن تظن بي العجز. وكم من مرة أضاعت علي فرصا كنت أنتظرها بفارغ صبر. مر العام على خير وجوه. وكانت أولى المتقدمات من زميلاتها وانتقلت من مرحلة إلى مرحلة أخرى.

وظننت أن مهمتي قد انتهت، فانقطعت عنها، وماذا بقي علي؟ لقد أديت واجبي وقمت بما تقتضيه الصداقة.

<<  <  ج:
ص:  >  >>