وبعد أيام من انقطاعي وكنت جالسا في حجرتي غارقا بين أوراقي، إذ طرق الباب طارق، فلما أذنت له بالدخول وكنت أحسبه خادمي فلم أهتم بالأمر. ولما رفعت وجهي لأسأله ما يريد، رأيت أمامي صديقي (م) وتلميذتي فأخذت بهذه المفاجأة ومددت يدي مسلما معتذرا. فلما تقدمت أسلم عليها مدت يدها وهي تتصنع الغضب ولكنها لن تستطع أن تخفي تلك الابتسامة الحلوة التي عودتني إياها كلما لقيتها.
جلسنا في غرفتي، وكلما نظرت إليها ازدادت شفتاها انفراجاً، ولكنها سرعان ما كانت تسردها بمظهر الغاضبة. ثم انفرجت شفتاهالا عن ابتسامة ولكن عن عتاب جميل لتقصيري عن زيارتهم بعد انتهاء العام الدراسي. ولقد كانت في إلقاء الأسئلة وتضييق الحلقة ماهرة كأنها نائب يحقق في حادثة يريد أن يصل إلى الجاني، وكلما هربتمن طريق جاءتني من آخر. وقدمت لها من المعاذير ما لا يحصى ولكنها تقبل منها واحدا وكانت كلما ألقيت إليها عذرا رأيتها تهز ذلك الرأس الصغير علامة عدم الارتياح، ولم تتركني حتى قطعت على نفسي عهدا باستئناف زيارتهم مرة أخرى وسيكون ذلك بعد غد. ذهبت إلى منزلها فإذا بي أفاجأ باستعداد الحفل. باسمة الثغر طلقة المحيا عليها سماء من تجاوزن سنها، وكان حف تزينه زهرات لم تتفتح مثلها وما زالت قلوبهن في الأكمام وتم عقد المدعوين ووقفت تقول كلمة صغيرة كما قالت فإذا هي تبدع وتجيد، وفي نهاية كلمتها قدمتني للمدعوين على أن أتكلم كلمة فلم أسر لاقتراحها قدر ما سرني كلمتها التي أشادت فيها مما بذلت معها من مجهود أهلها لهذا التقدم، فكدت أعتذر لولا نظرتها إلي وما رايته منعيون متجهة إلى شخصي.
وقدمت لنا بعض زميلاتها أغنيات ورقصات أضفت على الحفل عنصر البهجة والسرور.
وكانت جلستي بجانب فتاة وسيمة الوجه طلقة المحيا ذات شعر فاحم أهيف. . وعلى غير قصد مني لمست يدي ذراعها العاري فسرت رعشة غريبة في يدي فاضطربت ولحظت فتاتي ذلك إذ كانت لا تفارقني، فأسرعت تقدمها إلي، فإذا هي ابنة عمها قد أتممت دراستها الجامعية هذا العام، وحادثتني حديثاً شهياً خلب لبي واستولى على مشاعري ولم ينته الحفل حتى كنا على موعد للقاء في اليوم التالي. وتكرر لقاؤنا فازددت بها شفا وهمت بها حبا، وترامت الأخبار إلى تلميذتي بعلاقتي بابنة عمها، فكنت كلما زرتها شاهدت على وجهها