للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

إخناتون خلال التاريخ القديم، وفي قيام الكثيرين من كبار المصلحين في الدين المسيحي وفي الإسلام. . في مارتن لوثر وفي جمال الدين. ولكن بالرغم من قيام الكثير من هذه الحركات لهدم أصنام التقاليد إنها غدت بدورها وقد حلت محل التقاليد وتجلى ذلك في التعاليم الدينية بوجه خاص، ولا سيما حين قام المتأخر ون من رجال الدين أخذوا خلاصة التعاليم والحكم وقاموا بترتيبها وتنسيقها، تاركين الظروف التي دعت إليها، أو بعبارة أصح قاموا يدرسون الدين ويعلمونه على الطريقة المنطقية تاركين الطريقة النفسية الطبيعية في تعليمه، وكانت نتيجة ذلك أن أصبحت تعاليم الدين مسيحية كانت أو إسلامية، وقد اندمجت في التقاليد واختلطت بها اختلاطاً تاماً ولم يتورع رجال الدين عن التمسك يحرفيتها، ووقفوا حراساً على قدسيتها. وعن طريق هذا السياج المقدس من التقاليد الدينية، استطاعوا إقامة تلك الدكتاتورية الدينية التي كانت أشد وأقسى من دكتاتورية التقاليد الاجتماعية العادية. وقد امتازت العصور الوسطى بتلك الدكتاتورية الدينية المتحكمة. وبقدر شدة الضغط الذي عاناه المجتمع لك الحين، بقدر ما تولد الانفجار قوياً شديداً. ذلك الانفجار الذي يتمثل في انطلاق التفكير الحر الذي أتجه أو ما أتجه إلى نسف تلك الأغلال والقيود. قام مارتن لوثر يحتج، وانفصل أنصاره عن الكنيسة الكاثوليكية فتلاه اليسوعيون بحركة إصلاح ولذلك كانوا أقرب إلى رضاء المجتمع. حدث هذا في المجتمع المسيحي بينما اشتدت ظاهرة التصوف في المجتمع الإسلامي، وكانت حركة التصوف كحركة مارتن لوثر ترمي إلى التحرر من سيطرة التقاليد الدينية بنبذها وعم التقيد بها، كذلك وجدت في المجتمع الإسلامي وكانت إصلاحية لم تلجأ إلى نبذ التقاليد الدينية دفعة واحدة بل إلى تنقيتها وتثبيت الصالح منها، وقد قامت هذه الحركات على يد كبار المصلحين من السنيين كابن تيميه وغيره الذين قاموا بدور شبيه إلى حد كبير بذلك الدور الذي قاموا به اليسوعيون. لقد كانت هذه الحركات في كل من المجتمعين المسيحي والإسلامي، ترمي إلى التحرر من سيطرة التقاليد العمياء، لا عن طريق نبذها واحتقرها وإنكارها، بل عن طريق فهما وبث الروح فيها، أو بعبارة أصح عن طريق تعلمها وتعليمها بفهم الظروف أو الدواعي التي أدت إليها، أي بالسير وفق الطريقة الطبيعية النفسية. وهكذا ظل المجتمع الإنساني خاضعاً لسلطان التقاليد، يتخلص من احتلالها البغيض حيناً ليقع في أحابيلها ثانياً، سواء باسم الدين أو باسم السياسية.

<<  <  ج:
ص:  >  >>