للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

عليهما الأمر يجري حسب ما سمحت ... به الرياح ولا ناه ولا زاجر

أقسمت يا نيل - لو تدري - لما التطمت ... فيك الشواطئ إلا بالدم الفائر

يا ليت شعري لمن تلك الكروم على الش ... طين تسبي القلب والناظر

في سندس من حقول الروض أبسطة ... بالدر قد فصلت واللؤلؤ العاطر

كأنها لوحة من عبقر رفعت ... في باب عبقر يستهدي بها الزائر

ما أجمل الأفق يبدو في شروقهما ... وفي غروبها غب السما الماطر

سرادق الظل في أفواف ظلهما ... كأنه أفق فجر غائم سافر

كأنه سحب من فوق مجمرة ... قد بات يشملها في كهفه ساحر

قل لي: أللشعب منها غير منظرها ... وسقيها أويد الحصاد والباذر؟

إن لم تدر بين أيدينا معاضرها ... فما أردت ولا دارت رحى عاصر

قم حطم الكأس أو فاملك مواردها ... أو فانس حقك إن الحق للقادر!

هنا تلتقي مواجع الشاعر بمواجع الشعب المحروم، وتلتقي آلامه بآلام الجماهير الكادحة؛ فترتفع نغمة الألم، وتشتد حرارة النفثة، وتتحول شواظا وضراما. ولكن الشاعر يظل يلقاك بروحه الشاعرة، وفنه الأصيل. سواء كان ذلك في تصوراته الشعرية ورؤاه، أم في الزاوية التي يطل منها على المشاهد والمرائي. فلا يسف ولا يجف، ولا يتحول فنه إلى خطابه جوفاء، وليس فيها سوى الجعجعة والضجيج!

وهكذا يثبت أبو الوفا أن الفنان الأصيل يملك أن يغمس ريشته في جراح الإنسانية، ومواجع الكادحين والمحرومين، ثم يبقى مع ذلك فنانا يحس بطريقته الخاصة، ويرسم بيده لا بيد العوام والأمين وهي ظاهرة أحب أن أبرزها هنا، لأن هنالك خلطا في هذه الأيام بين وظيفة الفنان ووظيفة خطيب الجماهير! في الإحساس بالآلام العامة. وفي طريقة التعبير عن هذه الآلام، تختنق في غمرتها روح التقدير الفني الصحيح

وبعد فليست (أنفاس محترقة) كلها من هذا الطراز الفني بطبيعة الحال، ففيها الأنفاس المشتملة والأنفاس الخابية، وفيها المقطوعات التي يصيبها الإعياء سواء في النبض أو في التعبير، وفيها المقطوعات التي يصعب أن تعدها من الشعر أصلا، ولكنني أحب أن أقرر بعد هذا كله أن شعر أبو الوفا (ظاهرة فنية) لها مظاهر قوتها الخاصة، ومظاهر ضعفها

<<  <  ج:
ص:  >  >>