الله بكل ما في طاقته من توكل اشد من إيمان النبي محمد عليه السلام، ولكننا لا نجد أمراً من الأمور صغيرها وكبيرها عزم عليه قبل البعثة وبعدها إلا دبره فحزم تدبيره وأحكامه وهيأ له وسائله الدنيوية المألوفة كأشد المفكرين للقدر، وما ترك فجوة في خطة إلا حاول سدها بما بين يديه ومن بين يديه كان ليس لهذه الفجوة سداد إلا عمله وعمل من حوله. وما انتوى أمرا إلا أخطر لبصيرته كل احتمالاته، واستعد بكل أهبة في طاقته من الأهب المادية والمعنوية أشد واكثر مما يستعد لمثلها من لا يؤمنون بقوة غيبية
بينما الإيمان بهذه العقيدة عند الضعفاء الفارغين يدفعهم ويسوغ لهم أن يحملوا القدر أو المجتمع أو نحو ذلك كل مسئولياتهم وسخافتهم ورذائلهم، كأنما حاولوا وبذلوا كل ما وسعهم من حول وحيلة في سبيل أهدافهم، فحال القدر أو المجتمع أو نحو ذلك بينهم وبين ما إليه يهدفون
ولا يقتصر المر في ذلك على العقائد، بل هو عام في كل ما يخضع للإرادة والعواطف والأمزجة كالفنون
فالناس جميعا يؤمنون كل الإيمان بان الموت غاية كل إنسان مهما جل أو هان: وكذلك كان المتنبي وأبو العلاء المعري يعرفان، ويريان الناس وهم يتنازعون أعراض الدنيا ويقتتلون عليها. لا اختلاف على الشاعرين الحكيمين فيما يريان ويعقلان، ولكن هذا ينتهي مما يرى إلى نتيجة تناقض كل المناقضة النتيجة التي ينتهي إليها صاحبه
أبو العلاء المعري يرى ذلك فيزهد وييأس ويعدو الناس إلى الزهد واليأس. يقول:
(تجربة الدنيا وأفعالها ... حثت أخا الزهد على زهده)
وله؟ يجيب:
(لو عرف الإنسان مقداره ... لم يفخر المولي على عبده