للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

يحترفون الزرع في الضياع المجاورة، وفر كثيرون من طريق البحر، وتنصر كثير منهم، وبقي نسلهم في تلك الأرض طويلاً.

وهكذا سقط حصن (فراكسنتم) أو فراكسنيه سنة ٩٧٥م بعد أن لبث زهاء ثمانين سنة مركزاً قوياً للغزوات العربية في غاليس؛ وقسمت أسلاب العرب وأراضيهم بين السادة والجند الذين اشتركوا في هذه الحرب الصليبية، وانهارت سلطة العرب في تلك الأنحاء.

أما المستعمرات العربية التي كانت مبعثرة في آكام الألب، فيقال أنها طوردت ومزقت في نفس الوقت، واعتنق الذين أسروا النصرانية؛ ولكن توجد رواية أخرى خلاصتها أن هذه المستعمرات لبثت في معاقلها نحو جيل آخر، حتى تولى مطاردتها وسحقها زعيم يدعى جيرولدوس. وعلى أي حال فلم تأت أواخر القرن العاشر حتى ذهبت سيادة العرب في غاليس وسويسرا؛ ولم يجب أحد في أفريقية والأندلس صريخ الغوث الذي وجهه أولئك المستعمرون البواسل إلى إخوانهم، لأن الحوادث الداخلية لم تكن تسمح يومئذ ببذل هذا العون.

على أن ذلك لم يكن خاتمة الغزوات الإسلامية في تلك المياه؛ ففي سنة ١٠٠٣م، سارت حملة بحرية من مسلمي الأندلس، ونزلت بجوار أنتيب في جنوب فرنسا، واجتاحت الأراضي المجاورة. وفي سنة ١٠١٩م، نزلت حملة مسلمة أخرى في ظاهر أربونة، وحاولت أن تستولي عليها، ولكنها هزمت ومزقت. وفي سنة ١٠٤٧، هاجمت حملة أخرى جزيرة ليران الواقعة بالقرب من مرسيليا وأسرت عدداً من الرهبان. وظهر في ذلك الحين زعيم أندلسي جرئ هو مجاهد العامري أحد أمراء الطوائف، وصاحب دانية وجزائر البليار، واهتم بأمر الغزوات البحرية، فسار في أسطوله إلى مياه كورسيكا وسردانية؛ وغزا سردانية واحتل بعض أنحائها، (سنة ٤٠٥هـ - ١٠١٤م)، ولكن النصارى استردوها على الأثر؛ ولبث مجاهد العامري الذي تسميه الرواية النصرانية (موجيه) أو موسكتوس، مدى حين سيد هذه المياه يبث فيها بحملاته الرعب والروع.

هذه هي قصة العرب والغزوات العربية في غاليس وبلاد اللونبارد وسويسرا، وهي قصة تغفل الرواية الإسلامية كثيراً من أدوارها ووقائعها؛ ولكنها تشغل فراغاً كبيراً في الروايات الكنسية والفرنجية المعاصرة، وهذه الروايات هي عمدتنا فيما ننقل من سير هذه الغزوات

<<  <  ج:
ص:  >  >>