الاضمحلال منذ فقد العرب معاقلهم في بلاد الألب. وفي سنة ٩٦٥هـ أخرج العرب من مدينة جرينوبل ومن واديها الخصب (جريزبفودان) وطوردوا في تلك النواحي وساءت أحوالهم؛ وأعلن الإمبراطور أوتو بعد ذلك بعامين أو ثلاثة، وهو يومئذ في إيطاليا أنه سيتولى طرد العرب من الأراضي النصرانية، ولكنه توفي دون القيام بمشروعه.
ثم دنت بوادر المعركة الحاسمة، وحدث في ذلك الحين أن حبراً كبيراً ذائع الصيت هو سان ماييل، وهو أسقف دير كلوني من أعمال برجونيه، حج إلى رومه، ولما عاد من طريق دوفينه أسره العرب المرابطون في الجبال مع جماعة كبيرة من الحاج، واشترطوا عليهم فدى فادحة؛ فدفعت بعد عناء، وأطلق سراح سان ماييل وزملاؤه. ولما عاد سان ماييل إلى مقامه دعا مواطنيه إلى إنقاذ البلاد من عيث الغزاة، وأذكى حماستهم وسخطهم، وذاعت قصة أسره وما يعانيه الحاج من شر العرب وعدوانهم، فنهض سيد من سادة تلك الأنحاء ويدعى بوبون (أو بيفون) وانتهز فرصة الحماسة العامة، وجمع حوله كثيراً من المقاتلة، وبنى حصناً في سترون على مقربة من حصن كان يملكه العرب، ولبث يتحين الفرص لمفاجأة العرب والاستيلاء على حصنهم، حتى استطاع ذات يوم أن يحمل بعض الحراس على فتح الأبواب، فتمت الخيانة، وباغت النصارى العرب في حصنهم، وقضوا عليهم قتلاً وأسراً (سنة ٩٧٢م).
وفي الوقت نفسه التف النصارى في دوفينه حول زعيم يدعى جيوم، وهاجموا العرب في جميع مراكزهم وقلاعهم ومزوقهم في كل ناحية، وبذا انهارت سيادتهم في دوفينه ولم تبق إلا في بروفانس. ولما قوى جيوم وكثر جمعه، وبسط نفوذه على بورفانس وتلقب بألقاب الإمارة، واعتزم أن يخرج العرب نهائياً من تلك الأرض؛ فدعا السادة لمعاونته ومنهم كونت نيس، ورأى العرب أن العاصفة تنذر بإجتياحهم من كل ناحية، فاستجمعوا كل أهبتهم وقواهم، ونزلوا من الآكام إلى البسيط في صفوف متراصة ووقعت بينهم وبين النصارى معركة هائلة في (تورتور)؛ فهزم العرب، وارتدوا إلى قلاعهم، ولاسيما (فركسنيه) التي غدت ملاذهم الأخير؛ فطاردهم النصارى أشد مطاردة، وضيقوا الحصار عليهم؛ فحاولوا الفرار تحت جنح الليل إلى الغابات المجاورة، ولكن النصارى لحقوا بهم، وأمعنوا فيهم قتلاً وأسراً وأبقي على من استسلم منهم، وعلى المسالمين الذين كانوا