للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

منزل خاص ريثما يستقبله الخليفة. وتتفق الروايات العربية والنصرانية في وصف مظاهر العظمة والبهاء التي كانت تبدو بها قرطبة، ويبدو بها البلاط الأموي يومئذ. وتقص علينا الرواية الكنسية المعاصرة تفاصيل هذه الرواية، فتقول: إن الناصر لم يستقبل سفير أوتو في الحال، وإنه كان يحقد على أوتو لأنه تعرض في بض مراسلاته للإسلام، ولأنه كان قد اعتقل مدى حين سفيراً نصرانياً أرسله إليه الناصر، ولذلك أمر الناصر باعتقال السفير (جان) حتى يرسل سفيراً إلى أوتو يستوثق من عواطفه ونياته نحوه؛ واختير لهذه السفارة كالعادة قس من رعايا الخليفة، وكان أوتو يومئذ يشتغل ببعض الحروب الداخلية، فأبدى تساهلاً في قبول وجهات نظر الخليفة. ولما عاد السفير، ارتاح الناصر لنتائج سفارته، وأذن برؤية سفير الإمبراطور، فاستقبل استقبالاً فخماً ظهرت فيه عظمة البلاط الأموي؛ وتحدث إلى الناصر عن الغرض من سفارته. ولا نعرف ماذا كانت نتيجة السفارة، لأن الرواية الكنسية لا تحدثنا عن ذلك؛ ولكن المرجح أن وجهة النظر التي أبدتها حكومة قرطبة هي أنها ليست لها علاقة بالمستعمرات العربية في غاليس، وأنها لا تتحمل تبعة أعمالها، ولا تستطيع أن تتدخل لديها. وهو استنتاج يؤيده صمت الرواية العربية عن ذكر أخبار هذه المستعمرات، مما يدل على أن حكومة الأندلس لم تكن تعنى كثيراً بشأنها، وإن كانت بلا ريب تنظر إلى غزواتها وتوغلها في الأراضي النصرانية بعين العطف. على أن لويتبراند، وهو مؤرخ كنسي معاصر يؤكد أن الخليفة كان يحمي هذه المستعمرات ويمدها بالتشجيع والعون.

وبعد ذلك بقليل (في نحو سنة ٩٦٠) أخرج العرب من معاقلهم في آكام سان برنار؛ ولسنا نعرف تفاصيل ذلك الحادث؛ ولكن المحقق أن العرب أبدوا كعادتهم منتهى البسالة في الدفاع عن مواقعهم؛ والظاهر أيضاً أن القديس برنار (سان برنار) الذي سميت هذه الآكام باسمه كان من أبطال الموقعة التي نشبت وانتهت بجلاء العرب.

واستمر العرب في دوفينه وبروفانس، وكثيراً ما دعوا إلى التدخل بين سادة هذه الأنحاء. ولما غزا الإمبراطور أوتو بلاد اللونبارد، وأخرج منها ملكها بيرانجيه، التجأ ولده أدالبرت إلى عرب (فراكسنيه) ليعاونوه في استعادة ملكه. وكان هذا التحالف بين السادة والعرب يقوي سيادة الغزاة ويدعمها كلما آذنت بالانهيار. بيد أن هذه السيادة قد أخذت في

<<  <  ج:
ص:  >  >>