ويعيب القرآن سلوك الذين يتهاونون في مروءتهم، ويتحايلون في أن يدعوا إلى الموائد، فتراهم يتربصون بالأطعمة، فإذا ما تم نضجها تعللوا بالزيارة وغيرها، وسهموا في تناولها. وليتهم يقفون عند هذا الحد، ولكنهم يأبون إلا أن يقاسموا أهل البيت أوقاتهم مستبدين بها، غير مبالين بأن في هذا إيذاء لهم وإهانة لأنفسهم:(يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوت النبي إلا أن يؤذن لكم إلى طعام غير ناظرين إناه، ولكن إذا دعيتم فادخلوا، فإذا طعمتم فانتشروا، ولا مستأنسين لحديث. إن ذلكم كان يؤذي النبي فيستحي منكم، والله لا يستحي من الحق. . .) وليس من أدب السلوك ولا من حسن التصرف أن يأتي الإنسان البيت من ظهره، فإن في هذا قلبا للأوضاع ولا أن ينادي أهل المنزل من وراء الحجرات، فان فيه إحراجا لشعورهم واستخفافاً بأقدارهم:(وأتوا البيوت من أبوابها - إن الذين ينادونك من وراء الحجرات أكثرهم لا يعقلون، ولو أنهم صبروا حتى تخرج إليهم لكان خيراً لهم.)
ومن الفظاظة التي يمجها الذوق السليم أن لا يحترم المرء من يكبره مقاما أو سنا وعلماً، فيرفع صوته فوق صوته، ويناديه مناداة فيها كثير من التهاون، كما ينادي إنسانا عاديا:(يا أيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي، ولا تجهروا له بالقول كجهر بعضكم لبعض أن تحبط أعمالكم وأنتم لا تشعرون، إن الذين يغضون أصواتهم عند رسول الله أولئك الذين امتحن الله قلوبهم للتقوى، لهم مغفرة وأجر عظيم - لا تجعلوا دعاء الرسول بينكم كدعاء بعضكم بعضا. .) ومن الفوضى أن تهاون الإنسان في آداب الاجتماعات، ومن أهم آداب الاجتماعات الاستئذان من الرئيس، والشذوذ عن الإجماع، وانتهاز غفلة الرئيس للهرب من القاعة متسلالا، ولا سيما في الاجتماعات المهمة التي تتعلق بشؤون الأمة وحياتها:(إنما المؤمنون الذين آمنوا باله ورسوله، وإذا كانوا معه على أمر جامعه لم يذهبوا حتى يستأذنوه، إن الذين يستأذنونك أولئك الذين يؤمنون بالله ورسوله، فإذا استأذنوك لبعض شأنهم فأذن لمن شئت منهم - قد يعلم الله الذين يتسللون منك لواذاً فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم)
وللحديث آداب يجب أن تقدر، والاستهانة بها مما يجعل المستهين مستهيناً في نظر الناس. وليس من آدابه في شيء أن يأخذ بعض الجالسين من المجلس، فيتحدثوا سرا بما شاءوا أن يتحدثوا، فتدب الفوضى في الحديث، كما يدب القلق في نفوس الكثير: