يبدو، هو تبرئة ساسة كليوباترا. . فكيف تأتى له ذلك. .؟
لقد اهتم اهتماما واضحا جليا بمس الجوانب الأنسانية من شخصية البطلة. . جعل لها بريقا. . ثم أطفأه. . وإن (المصائب المنزلية، والحوادث الاجتماعية لا تدهشنا حقيقة كما تدهشنا مصائب الملوك، ومخاطر الأبطال، وحوادث القصور. . ولكنها تؤثر فينا كل التأثير، لاتصالها بنا، واقترابها منا. .) كما يقول أستاذنا المتمكن الزيات بك في بحثه الفريد عن الرواية المسرحية في التاريخ والفن
لقد بث شوقي في تضاعيف شخصية البطلة كل ما يمكن بثه من خصائص الأنثى الجذابة المحبوبة العاطفية، ثم بالغ في لمس حياتها الحزينة، التي تستثير العطف والرثاء. . . فقد بدأ الفصل الرابع، واستلهم أسلوب المفاجأة العاطفي (الرومانس) وأجرى على لسان كليوباترا صرخة المرأة التي سلبت حبيبها، وتفردت بالألم. . ثم أجرى حديثا بينها وبين وصيفتها، ليس فيه شيء مما يكون بين السيد والمسود، فتركها إنسانة مجردة من كل شيء إلا من إنسانيتها. . . ثم صور أسى العظيم المهزوم حين تسمع كليوباترا دبيب حارس الأعداء فتقول إنه (معربد الخطو من نشوة النصر لا تسع الأرض رجليه من كبر) حتى إذا حادثها الحارس صانعته في غي كبر الملك، ثم تلتفت إلى وصيفتها قائلة:
يا شرميون تعلمي الدنيا ويا ... هيلانة اختبري الزمان القاسي
إن التي حرست بأبطال الوغى ... باتت تصانع سفلة الحراس
حتى إذا ما جاء حابي صالحته مصالحة الإنسان للإنسان، لا مصالحة الملك لفرد من الرعية، تقول:
وفيت لي حابي ولم تكن تفي
ثم تتلطف مع خادمتها فتقول للوصيفتين:
يا خادمي، بل ابنتي، تلطفا ... في البحث حتى تاتيا بإياس
وتقول:
يا ويح صحبي بعد طول سرورهم ... قعدوا إلى أحزانهم يبكون
وتقول:
أنشو. . يعز على إنك ساهم ... يبدو عليك الهم والتفكير